النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    اضرار الختان عند الذكور والاناث

    من كتاب ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين
    الجدل الديني والطبّي والإجتماعي والقانوني
    للدكتور: سامي عوض الذيب أبو ساحلية

    2) الأضرار الصحّية لختان الذكور

    أ) الأضرار الصحّية لختان الذكور قديماً

    إن ختان الذكور عمليّة جراحيّة خطيرة تمس بأكثر الأعضاء حساسيّة تصاحبها مضاعفات طبّية ويمكن أن تؤدّي إلى تشويهات مستديمة أو إلى الموت. وقد كان رجال الدين اليهود يعون هذه الأضرار ولكن رغم ذلك فإنهم يشدّدون على ضرورة إجراء الختان وعدم التخلّي عنه إلاّ إذا سبق وأن توفّى أخوان أو إبناً خالة للطفل المرشّح للختان وبعضهم يرفع هذا العدد إلى ثلاثة 11. ويذكر تلمود أورشليم حادثة موت ثلاثة إخوة متلاحقين. وعندها نصح رابي ناتان بأن يؤخّر ختان الطفل الرابع ثم تم ختانه فبقي على قيد الحياة فسمّي بإسمه 12. وما زالت الكتب اليهوديّة تعيد علينا هذه القاعدة في زمننا. ويذكر جوزيف لويس كيف أن إبنة عمه ولدت طفلاً ذكراً بعد يأس طويل. فقرّرت ختانه رغم تحذيرها من ذلك. فأصرّت على ذلك. فختن الصبي في اليوم الثامن حسبما أوصى الكتاب المقدّس وخمدت أنفاسه قبل أن يتم له من العمر شهر. كما يذكر أن طبيباً إعترض على ختن طفل يهودي سليل أسرة مصابة بمرض سيول الدم. فقال الأب إنه يؤثر أن يرى إبنه جثّة هامدة على أن يخلّفه أغلف. وكان له ما أثر. إذ لم ينقض ربع ساعة حتّى كان الطفل قد زايلته الحياة 13.

    وقد تسرّب هذا الفكر اليهودي إلى الكتابات الإسلاميّة. فنحن نقرأ عند النزوي : "إذا كان عادة قوم أنهم إذا إختتنوا ماتوا، معروفين بذلك، فإنهم لا يختتنون ويتركون. وإن ماتوا صلّي عليهم، وحُكمهم الطهارة لأن هذا عذر" 14. وتعرض كتب الفقه الإسلاميّة القديمة كثيراً من حالات التشويه والموت الناتجين عن الختان لمعرفة مدى المسؤوليّة الجنائيّة في هذه الحالات 15. وقد جاء ذكر لأضرار الختان عند الجاحظ الذي يقول :

    "إنهم [اليهود] لم يروا قط يهوديّاً أصابه مكروه من قِبَل الختان، وإنهم رأوا من أولاد المسلمين والنصارى ما لا يحصى ممّن لاقى المكروه في ختانه إذا كان ذلك في الصميمين [أي أشد الصيف والشتاء] من ريح الحمرة، ومن قطع طرف الكمرة، ومن أن تكون الموسى حديثة العهد بالإحداد وسقي الماء فتشيط عند ذلك الكمرة ويعتريها برص. والصبي إبن ثمانية أيّام أعسر ختاناً من الغلام الذي شب وشد وقوي. إلاّ أن ذلك البرص لا يتفشّى ولا يعدو مكانه ؛ وهو في ذلك كنحو البرص الذي يكون من الكي وإحراق النار، فإنهما يفحشان ولا يتّسعان. ويختن من أولاد السفلة والفقراء الجماعة الكثيرة فيؤمن عليهم خطأ الخاتن، وذلك غير مأمون على أولاد الملوك وأشباه الملوك، لفرط الإجتهاد وشدّة الإحتياط، ومع ذلك يزمع ومع الزمع [أي الدهشة] والرعدة يقع الخطأ، وعلى قدر رعدة اليد ينال القلب من الإضطراب على حسب ذلك" 16.

    وقد ذكر الطبيب العربي الشهير الزهراوي أساليب ختان الذكر في عصره وأوضح أسلوبه الخاص لتفادي ضرورة إعادة الختان إذا ما قطعت الطبقة العليا وبقيت الطبقة السفلى، وكذلك لتفادي قطع طرف الإحليل أو حصول عدم تناسب في القطع. وقد بين الأدوية التي يستعملها لشفاء الجرح 17. وقد بين هذا الطبيب أيضاً الأضرار التي قد تنتج عن الختان. يقول :

    "وأمّا الخطأ الواقع في التطهير فربّما قلبت الجلدة الداخلة كلّها أو بعضها عند القطع فينبغي أن تمدّها من ساعتك بظفرك قَبل أن يتورّم الموضع وتقطعها على إستواء. فإن لم تستطع على إمساكها بظفرك فأجذبها بصنّارة واقطعها. فإن مضى له ثلاثة أيّام وبقي ما تحت الإحليل منتفخاً وارماً فأتركه حتّى يسكن الورم الحار واسلخه برفق واقطعه على حسب ما يتهيأ لك. وتحفّظ من رأس الإحليل فإن قطع شيء من رأس الإحليل فإنه لا يضر ذلك، فعالجه بما يلحم الجرح من الذرورات التي وصفنا في مقالة الذرورات. وإن قطع من الجلدة فوق المقدار وتقلّصت إلى فوق فلا يضر ذلك أيضاً كثير مضرّة. فعالجه بما ذكرنا حتّى يبرأ" 18.

    وهذا الطبيب، كما سنرى لاحقاً، لا يقترح إجراء عمليّة الختان في حالة حصول عاهة في الغلفة. ولا عجب من ذلك. فنحن نجد في كتابه تحذيراً شديد اللهجة من اللجوء إلى العمليّات الجراحيّة إلاّ في حالة عدم وجود وسيلة أخرى لشفاء المريض. فهو يقول بأنه إذا ما "إستعملنا ضروب العلاج في مرض من الأمراض ولم ينجح تلك الأدوية"، فعلى الطبيب اللجوء إلى الكي 19. وإذا لم يكفي ذلك، فيمكن للطبيب في آخر المطاف اللجوء إلى العمليّات الجراحيّة التي يقول فيها موجّهاً كلامه لأبنائه :

    "إن هذا الباب فيه من الغرر فوق ما في الباب الأوّل في الكي ومن أجل ذلك ينبغي أن يكون التحذير فيه أشد لأن العمل في هذا الباب كثيراً ما يقع فيه الإستفراغ من الدم الذي به تقوم الحياة عند فتح عرق أو شق على ورم أو بط خراج أو علاج جراحة أو إخراج سهم أو شق على حصاة ونحو ذلك ممّا يصحب كلّها الغرر والخوف ويقع في أكثرها الموت. وأنا أوصيكم عن الوقوع فيما فيه الشبهة عليكم فإنه قد يقع إليكم في هذه الصناعة صنوف من الناس بضروب من الأسقام فمنهم من قد ضجر بمرضه وهان عليه الموت لشدّة ما يجد من سقمه وطول بليته وبالمرض من التقرّر ما يدل على الموت، ومنهم من يبذل لكم ماله ويغنيكم به رجاء الصحّة ومرضه قتّال فلا ينبغي لكم أن تساعدوا من أتاكم ممّن هذه صفته البتّة وليكن حذركم أشد من رغبتكم وحرصكم ولا تقدموا على شيء من ذلك إلاّ بعد علم يقين يصح عندكم بما يصير إليه العاقبة المحمودة، واستعلموا في جميع علاج مرضاكم تقدمة المعرفة والإنذار بما تؤول إليه السلامة" 20.

    إن وصيّة هذا الطبيب العربي لأبنائه روعة من روائع الأخلاق الطبّية. فهو يشير إلى عدم اللجوء إلى العمليّات الجراحيّة إلاّ بحذر شديد. ويحث على أن يكون قرار الطبيب مبنيّاً على المعرفة، متوخياً سلامة المرضى، وليس خاضعاً للجشع المادّي. وما أحرى هذه الوصيّة القيّمة بأطبّاء زماننا. فسوف نرى في الفصل السادس من هذا الجزء كيف أن كثير من العمليّات الجراحيّة، ومن بينها عمليّة الختان، لم تعد تخضع لهذه الإعتبارات الأخلاقيّة.

    ب) محاولة تتفيه الأضرار الصحّية لختان الذكور في أيّامنا

    كانت أضرار الختان معروفة قديماً، ولكن كان من الواجب القبول بها لأسباب عقائديّة. إلاّ أن الهاجس الديني بدأ يضعف في زمننا ولم يعد الناس يتعصّبون لكثير من المعتقدات، لا بل يرون أنها لا تستحق الإعتبار إذا ما أملت عليهم تصرّفات ضارّة، كما رأينا في موقف معارضي ختان الذكور عند اليهود 21. ولذلك أخذ مؤيّدو ختان الذكور بتتفيه أضرار هذه العمليّة والتهويل من عدم ممارستها. وقد يكون ذلك إمّا بقصد الترويج الديني أو بقصد التكسّب من وراء هذه العمليّة. وسوف نتكلّم في الجزء الرابع عن علاقة الختان بالإقتصاد. ومثالاً للترويج الديني نكتفي هنا بذكر الدكتور حسّان شمس باشا الذي يعتمد على كاتب غربي من كبار دعاة ختان الذكور. يقول هذا الدكتور 22 :

    "إن حدوث مضاعفات عقب عمليّة الختان أمر نادر جدّاً. ففي دراسة أجريت على 100.000 طفل مختون وجد أن نسبة حدوث مضاعفات لا تتجاوز 2 بالألف. وهذه مضاعفات لا تتعدّى حدوث نزيف بسيط يسهّل علاجه أو إلتهاب خفيف. وقد أظهرت الدراسات التي شملت أكثر من مليوني طفل مختون حدوث حالة وفاة واحدة فقط عزيت للختان 23. وهذه نسبة ضئيلة جدّاً. فهي حالة واحدة من أصل مليوني طفل نجبت عن نزف حدث عقب ختان أجري في البيت من قِبَل شخص عادي.

    يقول البروفيسور وايزويل : "إن هذا الرقم لا يذكر بالقياس إلى ما يسبّبه عدم الإختتان. فهناك ما بين 225-317 شخص يموتون سنوياً في أمريكا نتيجة سرطان القضيب" 24. وكان يمكن إنقاذ حياة كل هؤلاء بالعودة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها [وهذا تعليق لباشا].

    يقول تقرير لأطبّاء الجيش الأمريكي عام 1989 : "إن مضاعفات الختان نادرة جدّاً، ولم توجد حالة وفاة واحدة في نصف مليون طفل مختون في مدينة نيويورك. ولم تحدث أيّة وفيّات في دراسة أخرى أجريت في المستشفيات العسكريّة الأمريكيّة وشملت 175.000 طفل 25. وفي دراسة أجريت على 136.086 طفل مختون بلغت نسبة مضاعفات (والتي عادة لا تتجاوز إلتهاب موضعي أو نزف خفيف) 2 بالألف 26.

    ولم يحقّق الدكتور حسّان شمسي باشا صحّة الأرقام المذكورة ولم يعرض آراء معارضي الختان لأن ذلك لا يتّفق مع ما يريد أن يثبته. فعنوان كتابه "أسرار الختان تتجلّى في الطب الحديث" والذي نشره ضمن "موسوعة الطب النبوي بين الإعجاز والعلم الحديث". ومن الواضح أن صاحبنا يرى أن الختان هو جزء من معتقده الديني الإسلامي. وهمّه هو أن يثبت بالترهيب والترغيب أن معتقده يتّفق مع المعطيات العلميّة الحديثة.

    هذا وقد أثبتنا في الجزء الثاني أن الختان مخالف لروح القرآن. وقصدنا هنا ليس تفنيد أو تأييد المعتقدات الدينيّة، بل تقديم عرض للأضرار الصحّية الناتجة عن ختان الذكور. ثم ننتقل إلى ختان الإناث حيث سنرى كيف حاول مؤيّدوه أيضاً تتفيه أضراره. ونحيل القارئ إلى الفصل السادس للتعرّف على الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث.

    ج) عدم وجود إحصائيّات دقيقة للأضرار الصحّية

    لا توجد إحصائيّات رسميّة ومؤكّدة حول الأضرار الصحّية لختان الذكور حتّى في الولايات المتّحدة. وليس هناك في الكتابات الطبّية دراسة حول كيفيّة قياسها، ممّا يدل على تحيّز للختان. وهذا أمر غريب في مجتمع يعتبر الختان فيه أكثر العمليّات الجراحيّة حدوثاً. هناك إذاً فراغ كبير في هذا المجال. وهذا يفسّر التضارب في الأرقام المتعلّقة بتلك الأضرار.

    كتب أحد الأطبّاء أنه تم في مدينة نيويورك عام 1953 قرابة نصف مليون عمليّة ختان ولم تسجّل إلاّ وفاة واحدة لطفل يهودي ختن في البيت. وما بين عام 1933 و1951 تم في إحدى المستشفيات في مدينة نيويورك 10.802 سجّل بينها حالة تلوّث واحدة، وأربع حالات نزيف، وحالة عاهة واحدة. وفي إحدى مستشفيات كليفورنيا تم 1844 عمليّة ختان بين عام 1949 و1950 كان بينها ثلاث حالات نزيف. ولكن في عام 1978 كتب آخر أن 1% من عمليّات الختان تؤدّي إلى مضاعفات طبّية. وترى "رومبيرغ" بأن تلك المضاعفات تصل إلى 5% إلى 10% من مجموع حالات الختان 27.

    وفي المؤتمر الرابع حول بتر الأعضاء الجنسيّة الذي عقد في لوزان عام 1996 سألت الطبيب الأمريكي "دينيستون" ما هي في تقديره نسبة حدوث أضرار عند إجراء الختان. فأجاب بأن الختان يؤدّي إلى 100% من الأضرار. فالطبيب يتدخّل عند حصول عطب صحّي، ويعتبر تدخّله ناجحاً إذا ما توصّل إلى إعادة الوظيفة الطبيعيّة للجسم. وفي حالة الختان لا يمكن بأي حال إعتبار وجود غلفة عند الطفل حالة مرضيّة، إذ هي جزء من التكوين الفيزيولوجي للعضو التناسلي. فإذا تدخّل الطبيب لبتر الغلفة، فهو إنّما يقوم ببتر جزء سليم ويحذف وظيفة فيزيولوجيّة أصليّة غير مَرَضيّة. ولذلك كل ختان هو تشويه للجسم وضرر طبّي وليس حلاًّ لمشكلة. وقد أعاد هذا الطبيب هذا القول في مقاله المنشور ضمن أعمال المؤتمر، مع بعض التفاصيل :

    "إن نسبة الأضرار بعيدة المدى للختان هي 100%. فكشف الحشفة بصورة إصطناعيّة يجعلها تصبح خشنة وجافّة. وفتحة البول كثيراً ما تتقيّح وتضيق فلا يسمح لها بالإنغلاق الطبيعي. وحافّة القطع في الختان تلتصق بالحشفة أو تكوِّن مظهراً غير لائق على ساق القضيب" 28.

    ويذكر هذا الطبيب أن في الولايات المتّحدة يموت 229 طفل كل سنة بسبب الختان. و1 من كل 500 طفل مختون يعاني من مضاعفات خطيرة تتطلّب عناية صحّية في قسم العلاج الطارئ. حتّى وإن لم يقرّوا عن أضرار تصيبهم، فإن المختونين يقضون حياتهم مع أعضاء جنسيّة تعمل نصف وظيفتها ومشوّهة وفاقدة حساسيّتها. والختان، مهما كانت درجته ولأي جنس كان، يترك آثاراً سلبيّة على صحّة الإنسان 29. ويضيف أنه يحدث سنوياً ألفي حالة مضاعفات طبّية في الولايات المتّحدة لا داعي لها 30.

    وقد قام "تيم هيموند"، أحد معارضي ختان الذكور، بحساب الأضرار الناتجة عنه آخذاً بالإعتبار أن نسبة المختونين في العالم هي 20%.

    عدد سكّان العالم عام 1994 5.6 مليار
    عدد الذكور (50%) 2.8 مليار
    عدد الأضرار إذا كانت نسبتها 10% 65.6 مليون
    عدد الأضرار إذا كانت نسبتها 2% 11.3 مليون
    عدد الأضرار إذا كانت نسبتها 1% 5.6 مليون 31

    نستنتج من ذلك أنه لا توجد إحصائيّات دقيقة للأضرار الصحّية الناتجة عن الختان. فليس من صالح الأطبّاء أو المستشفيات الكشف عن تلك الأضرار. فذلك يعطي للأهل ذريعة لرفع قضايا ضدّهم، خاصّة وأن ليس لتلك العمليّة أسباباً طبّية تبرّرها. من جهة أخرى، فإن هذه الأضرار قد تحصل عند إجراء الختان كما قد تحصل بعد مدّة طويلة من إجرائه. فكثير من الأضرار الناتجة عن الختان تتم بعد خروج الطفل من المستشفى، خاصّة في العائلات الفقيرة حيث العناية الصحّية ليست دائماً متوفّرة، والتعليمات بخصوص جرح الختان قليلة. وفي كلتا الحالتين يحاول الطبيب عدم الربط بين تلك الأضرار وبين الختان إمّا لتفادي الملاحقات القضائيّة أو لبعد الزمن بين الختان والأضرار. ويُذكر في هذا المجال عمليّة ختان في الولايات المتّحدة أصيب الطفل خلالها بضرر في مخّه فأصبح غير قادر على الكلام والمشي أو الإهتمام بنفسه. وقد عرض الأهل مبلغ 10.000 دولار لمن يستطيع أن يجد ملفّاته الطبّية التي فقدت 32.

    وعدم وجود إحصائيّات دقيقة، يعني أن الأطبّاء لا يستطيعون أن يقدّموا للأهل أرقاماً حول أضرار الختان. وبطبيعة الحال، هذا في صالح الأطبّاء الذي يكسبون الملايين من ورائه. فإذا ما وضعت الأرقام المرعبة أمام أعين الأهل فذلك قد يؤدّي إلى رفضهم إجرائه لأطفالهم.

    وأضرار ختان الذكور ترتبط بمدى توفّر الرعاية الصحّية والعلاج. فإذا ما تمّت العمليّة على يد حلاّق وبأدوات ملوّثة وفي مكان قذر ولم تتوفّر وسائل العلاج، فإن هذه الأضرار تزداد. وهذا لا يعني أن الختان في المستشفيات الحديثة على يد أمّهر الأطبّاء لا يمثّل خطراً. فقد تكون الأضرار نتيجة ضعف مناعة الطفل، أو نتيجة أصابته بمرض سيول الدم، حيث لا يسعف توفّر الرعاية الصحّية والعلاج. لذا نجد مضاعفات وحالات وفاة بسبب الختان حتّى في الولايات المتّحدة ذاتها حيث تنقل المجلاّت والصحف لنا مآسي كثيرة عن ختان الذكور أدّت إلى ملاحقات قضائيّة دفعت فيها المبالغ الطائلة تعويضاً عن الضرر الناتج.

    وإن كان الختان يؤدّي إلى أضرار في الدول المتقدّمة فما حال الدول الفقيرة ؟ ففي دراسة حول عمليّة الختان في قبيلة "كهوسا" في جنوب إفريقيا تبيّن أن 9% من الأولاد المختونين توفوا، و52% فقدوا كل أو أكثر جلد القضيب، و14% حدث لهم تقرّحات خطيرة، و10% فقدوا حشفتهم، و5% فقدوا كل قضيبهم. وهذه الأرقام تخص من تم الختان عليهم في المستشفيات. ممّا يعني أن الأرقام الحقيقيّة أعلى بكثير 33. وقد حاول الأطبّاء خفض نسبة المضاعفات الناتجة عن الختان في هذه القبيلة وذلك من خلال إجراء تلك العمليّة في المستشفيات وعلى يد طبيب متمرّس. غير أن مثل هذه العمليّة غير الطقسيّة مرفوضة من تلك القبيلة إذ تُفقد الختان معناه الإجتماعي. وإن كان هناك قبول لعمليّة الختان في المستشفى إذا ما كان هناك سبب طبّي، إلاّ أن من يطلب إجراء تلك العمليّة بذاته يعتبر خارجاً عن القبيلة 34.

    د) قائمة بالأضرار الصحّية لختان الذكور

    إذا ما نظرنا إلى كتابات مؤيّدي ختان الذكور، فإننا نرى أنهم لا يذكرون الأضرار الناتجة عنه، وفي أحسن الأحوال يتفّهون تلك الأضرار. فإذا ما أردنا معرفة هذه الأضرار علينا أن ننظر في كتابات المعارضين، وهي كلّها غربيّة 35. ونحن نستعرض أهم هذه الأضرار الصحّية. ونحيل القارئ فيما يخص الأضرار الجنسيّة والنفسيّة إلى الفصول الأخرى.

    النزيف

    تقدّر نسبة حدوث النزيف بـ 2% على الأقل من حالات الختان. فغلفة القضيب عضو كثير الشرايين يؤدّي بترها إلى نزول دم. وإن تم مس الشريان اللجامي، فإن هذا النزيف يكون سريعاً. والطفل الذي يزن ثلاثة كيلوغرامات لا يحتوي على أكثر من كأس دم أو ما يناهز 300 غرام من الدم. ولذلك في حالة عدم التنبّه للنزيف لمدّة قصيرة، فإنه يقود إلى الوفاة. وكثيراً ما يصاب الصبي بحالة صدمة من النزيف.

    وبعض الأشخاص مصابون بمرض سيلان الدم، وهو مرض وراثي. ونزيف الدم في هذه الحالة يصعب التحكّم به. وللحد من هذه الظاهرة أخترعت الآلات الضاغطة التي تكبس الشرايين فتمنع سيلان الدم. ولكن اليهود الأرثوذكس يرفضون إستعمالها لأنها لا تسيل الدم، ممّا يبطل الختان الديني. وتبيّن الإحصائيّات أنه حتّى باستعمالها، يبقى الطفل معرّضاً لخطر النزيف. ولذلك يجب تفادي إجراء الختان إذا ما تبيّن بعد فحص الأهل أو الصبي بوجود مثل هذا المرض، أو إذا كانت الغلفة ملتصقة بالحشفة كما هو الأمر في أكثر حالات الأطفال في بداية حياتهم. فشد الغلفة لفصلها عن الحشفة يؤدّي إلى مزيد من النزيف. ويشار هنا إلى أن فيتامين "ك" المسؤول عن تجليط الدم وإيقاف النزيف لا يتكوّن في جسم الطفل قَبل خمسة عشر يوماً من ولادته. وهذا يبيّن بأنه من الغلط إجراء العمليّة في الأيّام الأولى من حياته. ولذلك يحاول بعض الأطبّاء إعطاء الطفل هذا الفيتامين لتفادي النزيف.

    الإلتهابات وتعفّن الجرح
    قطع الغلفة يجعل الجرح والحشفة المكشوفة عرضة للتلوّث بالبول والبراز، ممّا قد يسبّب إلتهابات وتقيّحاً في فتحة البول. وهذا هو السبب الرئيسي لعسر البول والتهاب المسالك البوليّة، ممّا قد يتطلّب تدخّل جراحي لتوسيع فتحة البول. وهذا يحدث في 10% من حالات الختان. وإذا لم توجد أدوية معقّمة، فالجرح قد يؤدّي إلى التعفّن وإصابته بجراثيم عدوى كثيرة مثل التيتانوس والغنغرينا ومرض السحايا والدفتيريا وتسمّم الدم والتهاب العظام، ممّا قد يودي بحياة الطفل.

    إنكماش القضيب

    قد يؤدّي الختان إلى إنكماش قضيب الذكر فيختفي تحت الجلد المحيط به. فيتطلّب تدخّل جراحي لإرجاعه إلى وضعه الطبيعي وذلك بإضافة جلد إلى جلده.

    القضاء على الغدد التي تفرز المادّة المرطّبة

    بالختان يتم القضاء على الغدد التي تفرز المادّة المرطّبة والتي تتواجد في ثلم إكليل الحشفة وبطانة الغلفة. والمادّة المرطّبة تلعب أدواراً مُهمّة منها فصل الغلفة عن الحشفة تدريجيّاً ومنع إعادة إلتصاقها بها، والإحتفاظ بالحشفة ناعمة وليّنة تماماً كما تحافظ الإفرازات الأخرى على نعومة البشرة. فإذا ما تم قطع الغلفة بالختان، فإن الحشفة تصبح دون حماية وتجف بسرعة وتصبح عرضة للخدش بالملابس. كما أنها تثخن وتخشن وتفقد حساسيّتها الطبيعيّة. حتّى أن لونها الطبيعي يتغيّر. ويقدّر البعض سمك بشرة الحشفة لدى المختونين بعشرة أضعاف سمك بشرة الحشفة عند غير المختونين 36.

    باسور الإحليل والمبال الفوقاني

    قد تحدث عمليّة الختان فتحة جانبيّة في مجرى البول يطلق عليها "باسور الإحليل". وهذا ينتج بسبب خطأ من الخاتن خلال عمليّة قطع الغلفة، فيثقب القضيب. وقد يثبت طرف الآلة داخل مجرى البول. وعند إغلاقها فإنها تسحق الجزء الأعلى لمجرى البول والجزء الأعلى للحشفة مع الغلفة، ممّا ينتج عنه حدوث فتحة في أعلى الحشفة يطلق عليها "مبال فوقاني". وهناك بعض حالات التشوّه الخلقي يطلق عليه "الإحليل التحتاني" وهو تحوّل فتحة مجرى البول من أعلى الحشفة إلى الجانب السفلي منها. ويصلّح هذا العيب بترقيع الفتحة بغلفة القضيب وإجراء فتحة في المكان الإعتيادي. فإذا لم يلاحظ الطبيب هذا العيب قَبل الختان، فإنه يصعب عليه إصلاحه لأنه بالختان يزيل قطعة الجلد التي يحتاج إليها لتصليح العيب.

    ضيق الغلفة

    سوف نرى أن مؤيّدي ختان الذكور يجرونه للوقاية من ضيق الغلفة الذي يمنع سحبها إلى الخلف لكشف الحشفة. إلاّ أن الختان قد يؤدّي إلى مثل هذا الضيق ممّا يسبّب حشر للحشفة. وهذا يتطلّب تدخّل لتوسيع الجلد وفي بعض الأوقات يجب إعادة عمليّة الختان.

    إحتباس البول

    قد يتم في الختان قطع "لجام القضيب"، ممّا يحرم مجرى البول الداخلي من أهم مصدر للدم فيه. وهذا يؤدّي إلى ضيق مجرى البول في 5 إلى 10% من المختونين وإلى صعوبة في التبوّل. وقد يحدث إحتباس للبول بسبب لف قضيب الطفل بعد الختان لإيقاف النزيف أو بسبب إستعمال الأجهزة في الختان، وخاصّة جهاز Plastibell. وهذا الإحتباس قد ينتج كرد فعل من الطفل بسبب صدمة عمليّة الختان. واحتباس البول يجعل الطفل يتألّم ويصيح ويمتنع عن الرضاعة. وقد يؤدّي إلى قصور كلوي.

    موت الحشفة أو تشويهها وفقدها حمايتها

    يؤدّي تضييق اللف على حشفة الطفل في بعض الأحيان إلى موتها. ويحدث أيضاً أن تجرح هذه الحشفة أو تقص كاملة بسبب تهاون الخاتن فيصاب القضيب بتشويه دائم يصاحبه مشاكل جنسيّة كبيرة مدى الحياة. ولحماية الحشفة من مثل هذه الحوادث تم إختراع الآلات الطبّية.

    هذا وبتر الغلفة يحرم الحشفة من حمايتها الطبيعيّة في بعض الحوادث مثل الحرق. فإذا ما تعرّضت الحشفة للحرق فإنه يصعب إزالة التشويه. بينما إذا مس الحرق الغلفة، فإنها تقي الحشفة. وعند الحاجة يمكن إزالة الغلفة بالختان مع ضرر أقل لشكل القضيب. ونسبة الإصابة بالحرق أكبر من نسبة الإصابة بسرطان القضيب. وتذكر المصادر الطبّية أن الغلفة تحمي من زمام البنطلون، ومقعد المرحاض الذي قد يسقط على قضيب الولد الصغير عند التبوّل، والتفاف شعر أو خيط حول القضيب ممّا يؤدّي إلى انحباس الدم وموت الحشفة. وبتعرية الحشفة تفقد حرارتها التي تساعد على شفاء التخدّشات التي قد تصيبها خلال المداعبة الجنسيّة. فالغلفة تعطي الحشفة حرارة تساعد على شفاء تلك التخدّشات.

    قطع زائد لجلد القضيب

    من الصعب معرفة القدر الذي يتم قطعه من جلد القضيب خلال الختان، خاصّة عندما يجرى على طفل حديث الولادة. ويختلف هذا القدر حسب مهارة الخاتن ونوعيّة الختان. فاليهود مثلاً يشدّدون على ضرورة قطع أكبر قدر من الجلد. وهذا الأسلوب إنتقل منهم إلى الأطبّاء الأمريكيّين. وقد يُحدث الختان قطع كبير فيصبح جلد القضيب أقصر من القضيب الذي يغطّيه. وقد تحدث مضاعفات في عمليّة الختان فيضطر الطبيب إلى قطع المزيد من الجلد فيتعرّى القضيب ويسبّب ضيقاً عند إنتصابه وتعطيلاً لوظيفته الطبيعيّة. وقصر جلد القضيب يؤدّي عند الإنتصاب إلى شد جلد الصفن ممّا يحدث ألماً ومشاكل جنسيّة سوف نعرضها في الفصل الخامس. وقد دفعت هذه المضاعفات بعض المختونين إلى اللجوء لعمليّة إستعادة الغلفة إمّا بطريقة جراحيّة أو بطريقة شد الجلد، كما سنرى في الفصل السابع.

    التقيؤ ووقف التنفّس

    هناك حالات لوحظ فيها أن الختان ادّى إلى التقيؤ ووقف التنفّس بسبب الكرب الذي يصيب الطفل خلال عمليّة الختان، خاصّة عندما تتم دون تخدير. وقد يؤدّي صراخ الطفل خلال العمليّة إلى إصابته بـ"الإسترواح الصدري" و"الإندغام الرئوي".

    مخاطر التخدير

    ذكرنا أن الختان يتم عامّة دون تخدير. واستعمال التخدير بحد ذاته له نتائج لا يمكن تجاهلها في أيّة عمليّة جراحيّة. فالتخدير قد يؤدّي للموت. ويقول بعض الأطبّاء أن خطر التخدير أكبر عند الأطفال ممّا عند البالغين. ولو تم تخدير كل الأطفال لكان هذا سبباً في حوادث وفاة أكثر بين الأطفال ممّا هو الحال عليه بدون تخدير.

    تقرّح فتحة مجرى البول

    تحمي الغلفة حشفة الطفل من البول الذي يبلّل ملابسه. فإذا ما أزيلت الغلفة، إنكشفت الحشفة وأصبحت ملامسة مباشرة للملابس المشبّعة بالأمونيا التي في البول، ممّا يؤدّي إلى تحرّق الحشفة وتقرّحها والتهابها. ونسبة المختونين الذين يصابون بهذه الظاهرة تقدّر ما بين 8% و31%، ولكن النسبة الحقيقيّة أعلى من ذلك بكثير لأن حالات الإلتهابات والتقرّح لا تسجّل دائماً. وكثيراً ما يجهل الأطبّاء سببها خاصّة عندما تحدث بعد مدّة من الختان فينسون العلاقة بينهما. وعندها يلجأ الأطبّاء إلى البحث عن وسيلة لشفائها، فيقترحون تغيير نظام طعام الطفل لتخفيف الأمونيا في بول الطفل. وقد يقترحون بعض المراهم كالفازلين ومضادّات حيويّة لها عواقب وخيمة إذا ما إعتاد عليها الطفل، إذ يبطل مفعولها، فيضطر الأطبّاء لإقتراح مضادّات أقوى من السابقة. ومنهم من يقترح تغيير الثياب مراراً وغسلها وغليها حتّى تزول الأمونيا تماماً.

    ضيق فتحة مجرى البول

    قد يؤدّي تقرّح فتحة مجرى البول إلى مضاعفات لاحقة مثل ضيق تلك الفتحة، خاصّة عند الصغار، ممّا يجعل التبوّل صعباً ومؤلماً ويتطلّب جهداً كبيراً لإخراجه. وقد قام بعضهم بقياس فتحة مجرى البول عند مائة مختون ومائة غير مختون، فوجد أن الفتحة عند غير المختونين أوسع من الفتحة عند المختونين. ويذكر طبيب بأن ضيق فتحة مجرى البول تحدث عند قرابة ثلث المختونين ولا تحدث عند غير المختونين. وقد أثبتت الدراسات أن صعوبة التبوّل تؤدّي في بعض الأحيان إلى التبوّل في السرير ليلاً. ولعلاج ضيق فتحة مجرى البول يلجأ البعض إلى عمليّة جراحيّة لشق المبال أو توسيعه.

    الإبقاء على حلقة Plastibell

    يعتبر جهاز Gomco وجهاز Plastibell أكثر الأجهزة إستعمالاً لإجراء ختان الذكور في أمريكا. وبعد الختان، يتم الإبقاء على قمع جهازPlastibell لقرابة عشرة أيّام قبل أن تنسلخ تلقائياً عن القضيب. إلاّ أنه يحدث أن يندمل القمع داخل جلد القضيب. وهذا يؤدّي إلى تقرّح أو تنكرز الجلد، وأيضاً إلى فقد الحشفة.

    التعرّض لعدوى الأمراض

    من مخاطر الختان التي تحصل كثيراً تعريض القضيب إلى عدوى الأمراض من خلال الجرح، ممّا يؤدّي إلى أوخم النتائج بما فيها الموت. ويصاحب هذه العدوى إرتفاع حرارة الطفل والتقيّح والتورّم. ويرى البعض أن نسبة إلتهاب جرح الختان قد تصل إلى 8%. والدم المحيط بجرح الطفل يساهم في تفشّي الجراثيم. وهذه العدوى مرتفعة في المستشفيات بسبب وجود جراثيم ذات مناعة عالية للمضادّات الحيويّة. وقد تظهر عوارض العدوى بعد رجوع الطفل إلى البيت. وقد تتحوّل هذه العدوى إلى العمود الفقري وتصيب المخ بمرض إلتهاب السحايا الذي يسبّب الموت. ويصاحب هذه الأمراض ألم شديد ورفض الرضاعة.

    تشويه القضيب

    ليس كل الذين يختنون يستطيعون إجراء عمليّة ذات نتائج مرضيّة شكلاً. فقد يكون القطع معوجّاً فيؤدّي إلى إعوجاج القضيب عند إنتصابه. وقد يترك شفاء الجرح طبقة من الجلد على طبقة أخرى مع نتوات. وقد رفعت إلى المحاكم قضايا في هذا الخصوص باعتبار أن القضيب لا يتّفق مع النظرة الجماليّة المتعارف عليها. وإذا تم الختان بواسطة ملزم Plastibell يجب أن تسقط حلقته خلال عشرة أيّام من الختان. ولكن قد تبقى هذه الحلقة داخل الجلد حول حد الحشفة كما ذكرنا. وهنا يجب تدخّل من الطبيب لإزالة الحلقة التي تترك تشويهاً في العضو على شكل ثلم. وقد يحدث جسر من اللحم بين الغلفة والحشفة يجعل إنتصاب القضيب مؤلماً. وفي عام 1986، قامت جمعيّة طب المسالك البوليّة في "فرجينيا" بفحص وثائق تخص ختان طفل خسر جرّاء ذلك كل جلد القضيب، وختان طفل آخر أصابه غنغرينا ونكرزة في حشفته وقضيبه بسبب الكي الكهربائي لدمل الجرح. وعلى أثر ذلك، قامت الجمعيّة المذكورة بأخذ قرار بالإجماع ضد الختان الروتيني.

    التعرّض للخدش

    يصبح جلد القضيب في حالة القطع الكبير أكثر توتّراً عند الإنتصاب ممّا يجعله أكثر عرضة للخدش. وبعض المختونين يشتكون بأنهم لا يتحمّلون إحتكاك قضيبهم بالملابس الداخليّة.

    فقدان القضيب

    هناك حالات تم فيها فعلاً قطع القضيب بسبب إلتهابات أو بسبب إستعمال الكي الكهربائي لإيقاف نزيف الدم بعد إجراء الختان. وقد تطلّب الأمر إجراء عدّة عمليّات جراحيّة للمحافظة على القضيب بسحبه من جوف الطفل وترقيعه بالجلد. وفي عدم نجاح تلك المحاولات، فإنه يتم بتر القضيب كاملاً. وفي بعضها حُوّل الولد فعلاً إلى أنثى. وبطبيعة الحال تكون الأنثى هنا غير قادرة على اللذّة الجنسيّة أو الإنجاب، وتجد صعوبة في التبوّل. فعمليّة التحويل هذه هي مجرّد محاولة لتخفيف للعاهة. وهذا التحويل يصاحبه مشاكل نفسيّة لا تقاس تؤيّدي إلى قضايا أمام المحاكم للحصول على تعويضات بسبب الضرر. ولكن هل يمكن لكل أموال الدنيا أن تعوّض عن مثل تلك العاهة ؟.

    وقد عرضت مجلّة "التايم" الأمريكيّة في 24 مارس 1997 قصّة ختان فاشل تم عام 1963 قرّر الأطبّاء والأهل على أثره تحويل الطفل إلى أنثى. فتم نزع خصيتيه وصمّم له فرج من بقايا النسيج ظنّاً منهم أن إعطائه هرمونات الأنوثة سوف يحوّل نفسيته ونزعاته من ذكر إلى أنثى. وكان هذا تطبيقاً للنظريّة الشائعة في ذاك الوقت والتي كانت تدّعي بأن الأطفال يولدون حياديين جنسيّاً ثم يتم زرع ميول الذكورة والأنوثة فيهم من خلال التربية. وقد إعتمد الأطبّاء في الولايات المتّحدة على هذه الحادثة لإقناع الأهل بتحويل عشرات الصبيان إلى فتيات لعلاج حالات فشل الختان. غير أن ضحيّة هذه الحادثة المأساويّة لم تتمكّن أبداً من التأقلم مع جنسها الجديد. فقد كانت تمزّق ثياب البنات التي كانت أمّها تلبسها بها، وتفضّل اللعب مع الصبيان، وترفض ألعاب الفتيات. ورغم أن رفاقها لم يكونوا يعلموا بقصّة تحويلها من ذكر إلى أنثى، فإنهم كانوا يستغربون من تصرّفاتها. غير أن الأطبّاء إستمرّوا بالضغط عليها ليقنعوها بأنها أنثى وأن عليها التصرّف كأنثى. وعندما كان عمرها 14 سنة، رأت أن لا خيار أمامها إلاّ الإنتحار أو التحوّل إلى ذكر. وعند ذلك إعترف لها الأهل بأنه تم تحويلها في صغرها من ذكر إلى أنثى. وعندها قرّرت الرجوع إلى حالتها الأولى فأجرى لها الأطبّاء عدّة عمليّات لتشكيل قضيب صغير ولكنّه خال من حساسيّة القضيب الإعتيادي.

    ويذكر الدكتور رشدي عمّار أنه توجد حالات يصعب بالعين المجرّدة تحديد الجنس إذا كان ولداً أو بنتاً. ولا بد من عمل فحص للأعضاء التناسليّة الداخليّة وعمل تحاليل كثيرة وأبحاث لتحديد الجنس. يقول الدكتور عمّار :
    "وفي هذه الحالات قد تجرى عمليّة الطهارة للولد على أنه بنت ويزال قضيب صغير الحجم على أنه البظر، ثم يثبت بعد ذلك أن الجنس ولد. وبذلك يقضى على المستقبل الجنسي للطفل بعد ذلك. وقد صادف شخصياً هذه الحالة سنة 1959 في طفل ذكر أجريت له عمليّة الختان وأزيل القضيب على أنه البظر وبالفحص والتحليل ثبت أنه ولد وليس بنتاً" 37.

    الوفاة

    يؤدّي الختان بسبب النزيف أو الإصابة بعاهة أخرى أو التخدير إلى حالات وفاة كما ذكرنا سابقاً. ولا يعرف بصورة مؤكّدة عدد الوفيّات التي يسبّبها الختان حتّى في الدول المتقدّمة إذ إنها تسجّل تحت أسباب غير الختان. ويرى طبيب أمريكي أن كل وفاة تحدث في الأيّام العشرة التي تتبع الختان يجب أن تعتبر وفاة مشبوهة 38.

    هـ) الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان اليهودي

    يجرى الختان الديني عند اليهود على ثلاث مراحل. فيتم أوّلاً قص الغلفة. ثم تسلخ بطانة الغلفة مع اللجام بظفر مدبّب. وبعدها يقوم الخاتن بمص قضيب الصبي بفمه. وقد أدخلت المرحلة الثانية في القرن الأوّل الميلادي لمنع إستعادة الغلفة بشد جلد القضيب. وأضيفت في العصر التلمودي (500-625) مرحلة مص القضيب. وقد توفّى آلاف من الأطفال اليهود في القرن التاسع عشر في أوروبا بسبب مص الدم هذه. وقد تم إدخال تعديلات على عمليّة الختان بداية من الربع الأخير من القرن التاسع عشر لكي تتماشى مع التقدّم الطبّي. فقد أستبدل ظفر الخاتن بالمقص في المرحلة الأولى من الختان، ولكن الظفر ما زال مستعملاً لسلخ بطانة الغلفة واللجام. كما أقترح إستبدال إستعمال أنبوب زجاجي لمص الدم بدلاً من مصّه مباشرة بفم الخاتن لتفادي العدوى. ولكن هذا المص ما زال يمارس بين اليهود الأرثوذكس. وقد سمح الحاخام الشرقي "بكشي دورون" في إسرائيل بمص الدم بأنبوب زجاجي ليس خوفاً على إنتقال الأوبئة إلى الطفل ولكن خوفاً من أن ينتقل الإيدز إلى الموهيل 39.

    ويحاول اليهود التتفيه من مخاطر الختان الذي يتم على يد موهيل. يقول طبيب وموهيل يهودي بريطاني بأن مضاعفات الختان تندر عندما يجرى على يد الموهيلين رغم كثرة هذه العمليّات. ويذكر في هذا المجال أن هناك حالة واحدة من 800 حالة ختان تم إدخالها المستشفى بسبب النزيف في القدس عام 1964. ويشير إلى أن المضاعفات تصل إلى 0.19% من بين 100.000 ختان أجري على وليد في الولايات المتّحدة رغم أن هذه العمليّات لم تجرى على يد موهيل. كما يستشهد بمقال يبيّن أن المضاعفات في الختان تظهر أكثر عندما تجرى العمليّة من قِبَل الطبيب بدلاً من الموهيل. ويتساءل هذا المؤلّف عن سبب ندرة مضاعفات الختان 40. ولكن هناك من لا يكتفي بالتعجّب بل يبرّر هذا التعجّب بكون الختان أمر إلهي، كما رأينا سابقاً. وخلافاً لرأي هذا الطبيب، تقول دراسة لمعارضين يهود بأنه لا توجد في إسرائيل متابعة لمعرفة مدى المضاعفات الناتجة عن الختان. فليس هناك سجل أو إحصائيّات في هذا الخصوص. وقد بيّنت دراسة بناء على معلومات من الصحف العاديّة والطبّية أنه هناك 22 حالة وفاة، و19 حالة بتر القضيب أو غنغرينا أصابت القضيب، و132 حالة خطرة تطلّبت العلاج في المستشفى بسبب النزيف وتلوّث الجرح وقطع الحشفة وفقد كمّية كبيرة من الجلد وغيرها من المضاعفات. وقد أدّت بعض هذه المضاعفات إلى أضرار لا رجعة فيها 41.

    وتقول طبيبة بريطانيّة يهوديّة معارضة بأن لا اليهود ولا المسلمين في بريطانيا يحتفظون بإحصائيّات حول أضرار الختان التي يقومون بها. وتبيّن أن ختان الذكور له أضرار عدّة وخطيرة. وتذكر بأنها تكلّمت مع كثير من الأمّهات التي عانت من هذه الأضرار. وقد أبلغتها إحداهن بأنها لن تضع طفلاً آخراً لأنها لا تستطيع عدم ختانه ولا تستطيع تحمّل ألمه. وتضيف هذه الطبيبة بأنه إن كانت لكل عمليّة جراحيّة يقصد منها شفاء المرض والحفاظ على الحياة أضرارها، فيوزن بين الأضرار والفوائد، إلاّ أن مثل هذه المخاطر لا يمكن قبولها لعمليّة لا تهدف للشفاء، بل هي تعدّ على عضو سليم 42.

    وبسبب الأضرار السابقة الذكر، ينص الأطبّاء المعارضون للختان على تفادي قطع الغلفة بقدر الإمكان إلاّ في حالات الضرورة الطبّية. وحتّى في هذه الحالات، يجب محاولة اللجوء إلى "الرأب" بدلاً من الختان لتفادي قطع الأنسجة الحسّاسة. وإذا كان لا بد من الختان فيجب الإقتصار على أقل قدر من القطع للحفاظ على وظيفة القضيب الطبيعيّة. وفي كل الحالات يجب تفادي اللجوء إلى ختان الأطفال حديثي الولادة لأن ذلك يتطلّب سلخ الحشفة عن الغلفة قَبل تمام تكوينها. كما إنه يجب ترك قرار الختان للشخص عندما يبلغ. فهذا هو ما يتّفق مع الأخلاق الطبّية وحقوق الإنسان 43.

    يتبع...
    كلا كلا عنصرية، كلا كلا احزاب مرتزقة بالدين كلا كلا طائفية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي

    3) الأضرار الصحّية لختان الإناث

    أ) الأضرار الصحّية لختان الإناث قديماً

    تعرّضت كتب الفقه الإسلاميّة القديمة كثيراً لحالات التشويه والموت الناتجين عن الختان لمعرفة مدى المسؤوليّة الجنائيّة في هذه الحالات، كما ذكرنا في كتابنا السابق. وهم قليلاً ما يفرّقون بين ختان الذكور وختان الإناث في هذا المجال.

    وفيما يخص ختان الإناث، ينقل إبن حزم أقوال الفقهاء أنه يقضى "في شفر قَبل المرأة إذا أوعب حتّى يبلغ العظم نصف ديتها وفي شفريها بديتها إذا بلغ العظم [...]. في ركب المرأة [منبت العانة] إذا قطع بالديّة من أجل أنها تمنع من لذّة الجماع". ويذكر إبن حزم أن الشافعي يقضي "في العفلة [بظر المرأة] إذا بطل الجماع الديّة وفي ذهاب الشفرين كذلك" 44. ولكن من غير الواضح إن كان ذلك الضرر هو نتيجة ختان الإناث.

    وقد ذكر النفزاوي (توفّى عام 1324) ضمن أسماء الفروج "المصفّح"، معرّفاً ذلك بأنه تعبير عن ضيق الفرج طبيعةً من الله أو بسبب ختان تم دون مهارة. فقد يُحدِث الجرّاح حركة غير مقصودة بمبضعه فيجرح شفرتي الفرج أو إحداهما فيلتئم الجرح مكوّناً ندباً يسد مدخل الفرج. وحتّى يتمكّن من إيلاج عضو الرجل لا بد من إجراء عمليّة جراحيّة للفرج بمبضع 45.

    ب) محاولة تتفيه الأضرار الصحّية لختان الإناث في أيّامنا

    حاول مؤيّدو ختان الإناث تتفيه مضارّه تماماً كما فعل مؤيّدو ختان الذكور، ويضيفون أن تلك الأضرار مفتعلة نتيجة للضجّة الحاليّة التي يقيمها الغرب حول هذه الموضوع. فيقول الدكتور نجاشي علي إبراهيم، أستاذ مساعد بكلّية الشرعيّة والقانون بجامعة الأزهر : "إنشغل الناس في هذه الأيّام بقضيّة الختان التي فرضت نفسها على الجميع [...] لتشكيك الناس فيما توارثوه عبر الأجيال. وأخذوا يتحدّثون عن الختان، وقد كانوا في غنى عن الكلام عنه. لأنه لم يحدث لهم ما يدّعيه المدّعون من أن الختان يسبّب النزيف والعقم وأذى الجهاز البولي وحبس البول، وحبس دم الدورة الشهريّة، والناسور البولي وغير ذلك من الأمراض والمخاطر التي لم تظهر في أسلافهم عبر السنين والأجيال الماضية.

    لقد كانت حياة الناس مستقرّة وعاديّة ولكن نتيجة لهذا التشكيك الذي حدث أصبح الناس في حيرة من أمرهم، كيف عاشوا هذه الفترة الطويلة من عمر البشريّة وهم يمارسون هذا الخطأ ولم يجدوا من يرشدهم أو يأخذ بأيديهم إلى بر السلامة والأمان ؟!! أليس فيهم رجل رشيد ينبّههم إلى هذه المخاطر وهذه الأمراض ؟!" 46.

    ويرى هذا المؤلّف ضرورة التفريق بين ختان الإناث "السُنّي" الذي يتم حسب قول النبي : "أشمّي ولا تُنهِكي"، وبين الأنواع الأخرى من هذا الختان. فالختان "السُنّي" لا مضار له، على خلاف الأنواع الأخرى التي يجب إدانتها. إلاّ أن الكثيرين يخلطون بين الختان السُنّي وتلك الأنواع الأخرى عن عمد لتشويه الإسلام والطعن فيه، كما فعلت شبكة "سي إن إن" عند عرضها لـ"عمليّة ختان وحشيّة يقشعر منها البدن للطفلة المصريّة نجلاء". فالمتأمل في هذه العمليّة "يستطيع أن يدرك أنها مؤامرة دنيئة لتشويه صورة الختان الإسلامي ودعوة صريحة لاستمرار الحرب المشتعلة لمنع الختان، وأن هذا المنكر الذي عرضته شبكة "سي إن إن" هو صورة الختان الإسلامي الذي يجب أن يحارب ويجب أن يمنع الناس من ممارسته بقرار أو قانون" 47.

    ومحاولة تتفيه أضرار ختان الإناث، بقصد إضفاء الشرعيّة عليه، نجدها أيضاً عند الكتّاب الأفارقة. فعلى سبيل المثال يدّعي الرئيس الكيني "جومو كينياتا" بأن ختان الإناث في بلده يتم بمهارة "المتخصّص في هارلي ستريت" 48.

    ويشار هنا إلى أن تقرير المستشار الصحّي للمكتب الإقليمي لمنطقة شرق المتوسّط لمنظّمة الصحّة العالميّة الدكتور "روبيرت كوك"، بتاريخ 30 سبتمبر 1976، يفرّق بين أربعة أنواع من ختان الإناث أخفها "الختان بالمفهوم العام" الذي عرّفه كما يلي : "القطع الدائري لغلفة البظر، ويشابه ختان الذكور. ويمارس أيضاً في الولايات المتّحدة لمعالجة فشل الوصول إلى الإرتواء الجنسي من قِبَل النساء، وأيضاً لمعالجة تضخّم بظر المرأة وضيق الغلفة عندها". وهو يعتمد في ذلك على مقالين لطبيبين أمريكيّين هما "راثمان" و"وولمان" ويضيف : "وبما أنه لم يذكر أيّة نتائج صحّية ضارّة لمثل هذه الختان، فإنه لن يهتم به". ولذلك فهو لا يتعرّض إلاّ لمضار الختان الفرعوني. 49 وسوف نرى أن هذه النظرة المتحيّزة لصالح ختان الإناث من الدرجة الأولى قد تخلّت عنها منظّمة الصحّة العالميّة وغيرها من المنظّمات التي تدين جميع أنواع ختان الإناث الذي يتم دون سبب طبّي.

    ج) عدم وجود إحصائيّات دقيقة للأضرار الصحّية

    كما هو الأمر مع ختان الذكور، ليس هناك إحصائيّات دقيقة حول الأضرار الصحّية لأنواع ختان الإناث المختلفة.
    تذكر الطبيبة السودانيّة "أسمى الضرير" أن 84.5% من حالات الختان التي تحتاج إلى علاج لا يتم الإشهار عنها 50. وتشير دراسة ميدانيّة تمّت في "سيراليون" بأن 83% من الإناث التي تعرّضت للختان يحتجن إلى علاج طبّي في مرحلة ما من حياتهن بسبب الختان. وفي بعض الجماعات ليس هناك إمكانيّات للعلاج الطبّي فيؤدّي الختان إلى نزيف شديد وموت الفتاة 51.

    هذا ومخاطر ختان الإناث مرتبطة بعوامل كثيرة منها مدى القطع ومهارة الذي يجري العمليّة ونظافة الآلات التي يستعملها والمحيط الذي تجرى فيه والحالة الصحّية للضحيّة. وإن كانت جميع أنواع البتر تعرّض لمضاعفات إلاّ أن أكثر هذه المضاعفات خطورة وأطولها أثراً تحصل في الختان الفرعوني. وإن كانت هذه المضاعفات أقل في الختان الذي يجرى على يد طبيب ماهر في وسط طبّي معقّم، إلاّ أنه قد يؤدّي مثل هذا الختان إلى الوفاة بسبب النزيف الذي يصعب السيطرة عليه.

    د) قائمة بالأضرار الصحّية لختان الإناث

    يتجاهل مؤيّدو ختان الإناث أضراره الصحّية، وفي أحسن الأحوال يتفّهونها. وإذا ما أردنا معرفة هذه الأضرار علينا النظر في كتابات المعارضين، وهي مصادر مصريّة وغربيّة 52. ونحن نستعرض أهم هذه الأضرار الصحّية. ونحيل القارئ إلى المضاعفات الجنسيّة والنفسيّة إلى الفصول الأخرى.

    النزيف

    يؤدّي ختان الإناث إلى نزيف دموي. في بعض الحالات يكون النزيف بسيطاً ويمكن إيقافه إمّا بوسائل بدائيّة تمهّد لحدوث الإلتهابات مثل البن المطحون أو تراب الفرن أو بعض الأعشاب القابضة مثل "القرض"، كما يحدث في بعض المنازل، بما فيه من أتربة وتلوّث. أو بخياطة الأوعية النازفة أو كيّها في المستشفى. وفي حالات أخرى يكون النزيف شديداً لإصابة الشريان البظري الذي يندفع منه تيّار الدم تحت ضغط شديد فتحتاج الفتاة إلى نقل دم وإجراء جراحة عاجلة. وهناك حالات تكون فيها الطفلة مصابة بمرض سيلان الدم الوراثي فيسبّب الختان نزيفاً مستمرّا يؤدّي إلى وفاة البنت.

    الصدمة العصبيّة

    وهي رد فعل الجسم للألم والنزيف. وأعراضها إنخفاض شديد بضغط الدم وحرارة الجسم وإغماء. وقد يمكن إنعاش الفتاة بوسائل طبّية قد تصل إلى عمليّة نقل دم، وقد تتوفّى.

    الإضرار بالأعضاء المجاورة

    إثناء إجراء عمليّة ختان الإناث، تقوم الضحيّة عامّة بحركات مقاومة بسبب الخوف والألم تؤدّي إلى عدم إمكانيّة السيطرة عليها والتركيز على العضو الذي يراد بتره، ممّا يسبّب إلحاق جراح بالأعضاء المجاورة مثل مجرى البول أو المهبل أو العجّان أو الشرج. وقد يؤدّي ذلك إلى عدم السيطرة على البول والبراز اللذان قد ينزّان باستمرار. وقد سجّلت بعض الحالات التي تصل إلى كسر بعظام الترقوة أو الذراعين أو الفخذين عند الضغط العنيف على عظام طفلة صغيرة بأيدي من يقيّدون حركتها.

    متاعب بوليّة

    تشعر الفتاة المختونة بألم شديد عندما يمس البول الحمضي الجرح. وقد يؤدّي الخوف من الألم إلى إحتباس البول. كما قد يحدث هذا الإحتباس من تهيّج وتورّم الأنسجة المصابة حول فتحة مجرى البول نتيجة لإصابته أثناء إجراء العمليّة ذاتها، خاصّة إذا كان من يقوم بها ليس على دراية بالتشريح الطبيعي للأعضاء التناسليّة الخارجيّة. ويترتّب على إحتباس البول آلام شديدة أسفل البطن، وتكاثر الميكروبات في البول الراكد المتجمّع بالمثانة، لا سيما في حالة حدوث إلتهابات بموضع التشويه كما يحدث كثيراً. ويؤدّي ذلك إلى إلتهاب بالمثانة، وربّما يتطوّر إلى الحالبين والكليتين.

    الإلتهابات

    الجرح في مكان حسّاس كهذا عرضة للتلوّث، إمّا بسبب إستخدام أدوات ملوّثة، أو أشياء ملوّثة لإيقاف النزيف، أو لأن المنطقة عموماً قريبة من فتحة الشرج وأي جرح فيها عرضة للتلوّث بالبكتيريا القولونيّة. وقد تعالج هذه الإلتهابات وتشفى أو تترك آثاراً مزمنة. وقد تتفاقم وتحدث غنغرينا بالفرج، أو قد تغزوا الميكروبات الدم وتسبّب التسمّم الدموي. وقد تمتد هذه الإلتهابات إلى الكلى وسائر الجسم جميعاً، كما قد تؤدّي إلى ضيق فتحة الفرج وما يتصوّر أن ينجم عن هذه الإلتهابات والنزيف من وفاة. وقد تمتد الإلتهابات إلى الجهاز التناسلي الداخلي أي إلى المهبل والرحم والبوقين. وقد تمتد إلى الجهاز البولي فتصاب المثانة والكليتان. وقد يؤدّي ذلك أيضاً إلى الإصابة بمرض الإيدز بسبب تلوّث جرح الختان.

    تشويه العضو

    يلتئم جرح الختان بنسيج ليفي محدثاً تشويهات بالمكان. وقد تحدث ندب مؤلمة عند اللمس فتسبّب ألماً عند الجماع. وقد يشوّه الشكل الخارجي نتيجة عدم إزالة أجزاء متساوية أو نتيجة ترك زوائد تنمو وتتدلّى بعد ذلك. وقد تتكوّن أورام نتيجة لدخول بعض الخلايا أثناء إلتئام الجرح تحت الجلد. وتتضخّم هذه الأورام في الكبر ممّا يستدعي إجراء عمليّة جراحيّة لإزالتها. كما قد تحدث إلتصاقات مختلفة بالأنسجة وقروح مزمنة مكان الجرح. وقد يلتصق حدّا جرح الشفرين محدثاً إنغلاقاً للرحم وكأن الختان قد أجري على الطريقة الفرعونيّة.

    تعطيل وظيفة الشفرين الصغيرين

    يؤدّي قطع الشفرين الصغيرين إلى الحرمان من وظيفتهما في توجيه تيّار البول بعيداً عن الجسم. كما يحرم البنت من وظيفتهما في حماية مدخل المهبل من غزو الجراثيم.

    العقم

    قد تمتد الإلتهابات الموضعيّة مع نقص حماية مدخل المهبل إلى المسالك التناسليّة. وقد تسبّب العقم نتيجة لانسداد البوقين. ويرجع الأطبّاء 20 إلى 25% من حالات العقم في السودان إلى الختان. وتحكي السيّدة الشاديّة سارة يعقوب بأن صديقة لها مختونة ختاناً فرعونياً تم فتحها ليلة زواجها في مكان لا يؤدّي إلى الرحم. وبطبيعة الحال لم تحمل وظنّت أنها مصابة بالعقم. ولحسن حظها عرضت نفسها للطبيب الذي إكتشف الوضع المأساوي فاحدث فتحة يؤدّي إلى الرحم فحملت.

    تعسّر عمليّة الوضع

    نتيجة لالتئام جرح الختان بنسيج ليفي، فإن منطقة الفرج تفقد مطّاطيّتها. وإذا لم يتمدّد الفرج أثناء الوضع فإنه يؤدّي إلى حدوث تمزّق في منطقة العجّان وفي عضلة الشرج، فتفقد السيّدة التحكّم في عمليّات الإخراج. وقد تؤدّي طول فترة الولادة وتعسّرها إلى حدوث تمزّق في الأنسجة المحيطة بفتحة البول. وهذه التمزّقات تحتاج لتدخّل جراحي فوري لإيقاف النزيف الناتج عنها ولمنع تقيّح الجروح. وقد يؤدّي ضيق فتحة المهبل الناتج عن الختان إلى تعسّر مرور رأس الجنين، ممّا يؤدّي إلى وفاته إختناقاً بسبب نقص الأكسجين، أو إلى ولادة طفل متخلّف عقليّاً أو حركيّاً، نتيجة للضغط الزائد على رأسه بسبب طول فترة الولادة.

    إصابة غدّتا بارثولين

    توجد غدّتا بارثولين تحت الثلث الأوسط للشفرين الكبيرين. وتتمثّل وظيفتهما في إفراز المادّة المرطّبة التي تسهّل العمليّة الجنسيّة. وعند إجراء عمليّة الختان قد تصاب هاتان الغدّتان بالإلتهاب أو بالأورام إمّا نتيجة لانسداد قناتهما أو نتيجة للإلتصاقات التي تنتج من إلتئام الجرح. وهذه الأورام تستدعي تدخّلاً جراحيّاً لمعالجتها.

    عسر الطمث

    يحدث هذا إمّا لأسباب نفسيّة ناتجة عن الصدمة النفسيّة السابقة للختان وارتباطه في اللاشعور بالدم أو النزيف، ممّا يؤدّي إلى تكرار حدوث الصدمة النفسيّة مع كل دورة طمثيّة. وقد يكون السبب عضويّاً نتيجة لحدوث إلتهابات مزمنة واحتقان بالحوض.

    المخاطر العامّة للجرح

    عمليّة الختان لها مضاعفات ومخاطر ككل عمليّة جراحيّة. ومن هذه المخاطر الإصابة بالتيتانوس في حالة تلوّث الجرح بهذا الميكروب، أو الإلتهاب الكبدي الوبائي أو الإيدز في حالة إستخدام أدوات ملوّثة مثلما قد يحدث في الطهارة الجماعيّة لبنات أسرة أو جيران معاً، لا سيما أن الغليان لا يقتل فيروس إلتهاب الكبد الوبائي.

    الوفاة

    هناك حالات وفاة بسبب ختان الإناث. ولكن ليس هناك إحصائيّات في هذا الخصوص. وتنتج الوفاة خاصّة بسبب النزيف الذي يصعب السيطرة عليه. كما قد تحدث بسبب الصدمة أو الإلتهابات وتعفّن الدم، أو بسبب إعطاء كمّية كبيرة من المخدّر في حالة إستعماله.

    هذا وحالات الوفاة الناتجة عن ختان الإناث قليلاً ما يعلن عنها. وقد نشرت جريدة الأهرام في 16/10/1996 حول إخراج جثّتي طفلتين توفّتا عقب إجراء عمليّة ختان لهما في ضيع مصريّة. يقول النبأ : "أمرت نيابة أرمنت بقنا بضبط وإحضار طبيب الوحدة الصحّية لبلدة الضبعيّة للتحقيق معه حيث تسبّب في وفاة طفلتين في يوم واحد إثر قيامه بإجراء عمليّتي ختان لهما في مسكن كل منهما، فأصيبت الطفلتان بنزيف حاد لعدم دراية الطبيب بإجراء عمليّات الختان ممّا تسبّب في وفاتهما. تبيّن من التحرّيات أن الطفلتين المتوفّيتين هما أميرة محمود محمّد حسن (4 سنوات) ووردة حسن السيّد (3 سنوات)، وأن والد كل منهما إتّفق مع الطبيب واسمه عزّت شلبي سليمان على إجراء عمليّتي ختان لهما بمنزل كل منهما مقابل 10 جنيهات للعمليّة الواحدة. إلاّ أنه نتيجة لعدم درايته بإجراء مثل هذه العمليّات تسبّب في إصابة كل منهما بنزيف حاد وهبوط في الدورة الدمويّة أدّى لوفاتهما. وتبيّن أن الطبيب المتهم قام باستخراج تصريحي دفن الطفلتين سرّاً دون إخطار الوحدة الصحّية. وأتّفق مع والديهما على عدم الإبلاغ أو إثارة الموضوع حرصاً على مستقبله"

    وختان الإناث، وخاصّة الفرعوني، يؤدّي إلى حالات وفاة كثيرة. وتذكر المؤلّفة "لايتفوت كلاين" أن الأطبّاء السودانيين يقدّرون حالات الوفاة ما بين 10 إلى 30% من الفتيات المختونات، خاصّة في القرى حيث لا تتواجد وسائل العلاج. وتشير إلى أنها لاحظت أن عدد النساء في السودان أقل من عدد الرجال، ربّما بسبب تلك الوفيّات. وقد تكون هذه الملاحظة غير صحيحة لأن النساء أقل ظهوراً من الرجال في الأوساط الإسلاميّة. غير أن إرتفاع المهر الذي يتذمّر منه الشباب قد يؤكّد هذه الملاحظة 53.

    وتقدّر كاتبة إفريقيّة نسبة الوفيّات بسبب ختان الإناث في قبائل العافار وعيس ما بين 5 و6%. وفي هذه القبائل يتم الختان على الطريقة الفرعونيّة. ويتزايد عدد الوفيّات بين النساء أثناء الولادة لأن الشرايين تنفجر مؤدّية إلى نزيف قوي 54. وتبيّن السيّدة الصوماليّة "واريس ديري" أن ختان الإناث في مجتمعها يحصد أرواح كثير من الفتيات بسبب تلوّث الجرح والإلتهابات 55.

    هـ) الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان الفرعوني

    بالإضافة إلى الأضرار السابقة الذكر، هناك أضراراً خاصّة بالختان الفرعوني، مثل :

    - حدوث حصوات خلف الندبة
    - صعوبة إجراء الفحوصات للأعضاء الجنسيّة لعدم إمكانيّة إدخال الأدوات الطبّية خلف جدار الفرج المخاط. ولا يمكن للطبيب فك الخياطة لأن ذلك يتطلّب إعادتها كما كانت.
    - إحتباس البول ودم الحوض خلف الندبة وتعفّنهما ممّا يزيد من المشكلات البوليّة والتناسليّة واحتمال العقم. وكل النساء المختونات عانت من مضاعفات في مدّة الحيض. وتتطلّب هذه المضاعفات التدخّل الجراحي لفتح الفرج. وقد يدوم الحيض مدّة عشرة أيّام وينتج عنه روائح كريهة تضطر معها الفتاة البقاء في البيت مدّة الحيض، ممّا يخلق مشاكل دراسيّة ومهنيّة.
    - عسر الولادة : قد يضطر الطبيب لتوليد الأم بعمليّة قيصريّة. فكل سيّدة ختنت فرعونياً تخضع لعمليّة قطع لعدم مرونة الأنسجة الناتجة عن إلتئام الجرح. وهذا يؤدّي إلى نزيف. وقد يؤدّي ذلك إلى الإضرار بمجرى البول وإلى مرض سلس البول (عدم التحكّم بالبول). وهذا يطيل عمليّة الولادة مع ما يتبعه من مخاطر نزيف واختناق الطفل ونقص أكسجين.
    - قد يؤدّي ضغط رأس الجنين على جدران المهبل لفترة طويلة في الولادة المتعسّرة إلى إصابة الأم بناسور مهبلي - بولي، أو مهبلي - شرجي يؤدّيان إلى عدم تحكّمها في البول أو البراز، وهذا يستدعي إجراء جراحة لعلاج هذا الضرر.

    4) الختان والإحساس بالوقوع في الفخ

    هناك نظريّة جديدة تقول بأن مخاطر الختان ليس في الختان ذاته، بل في الظروف التي يتم فيها. فقد لوحظ تدهور في صحّة الحيوان والإنسان الذي يضع في وضع لا مفر له منه ولا يجد له حلاً ويشعر بالتهديد الواقع عليه، ممّا يجبره للرضوخ. وتبيّن أن الكلاب تصاب بتقرّح في المعدة وتفقد وزنها ويرتفع ضغط الدم عندها إذا ما عرّضت لصعقات كهربائيّة. وسبب التدهور المرضي للكلاب لم يكن بحد ذاته الصعقات الكهربائيّة بل حالة الكبت التي تتعرّض له تلك الكلاب. وإذا ما تم السماح لهذه الكلاب بالتفاعل، فهذا يخفّف من تدهور صحّتها. ونجد نفس الظاهرة في حالة تعذيب السجناء. فليس التعذيب هو الضار، بل حالة الضغط وفقدان القرار هو الذي يضر بصحّتهم. فيرتفع عندهم الدم، ويكبر خطر الإصابة بالسرطان وتقرّحات المعدة، وتضعف المناعة أمام المرض، وتكثر إضطرابات النوم. ففي كل حالة يحس فيها الإنسان بأنه في فخ، يحدث تدهور في حالته الصحّية. وعندما يفقد الحيوان والإنسان الأمل، فهنا تبدأ مرحلة الهدم الذاتي من الداخل 56.

    هوامش :

    1- It's a boy, film by Victor Schonfeld, 1995, Broadcast Channel 4 TV, 21 Sept 1995; Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 432
    2- Romberg: Bris Milah, p. 94-95
    3- Romberg: Bris Milah, p. 57-58
    4- Female genital mutilation: report, p. 9
    5- Kilanowski, p. 166
    6- Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 22-23, 59
    7- Tangwa, p. 187
    8- Bulletin (du Comité inter-africain), no 14, juillet 1993, p. 11-12 أنظر في نفس المعنى Hosken: The Hosken Report, p. 326, 327
    9- Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 158
    10- Favazza, p. IX-X
    11- Barth (editor): Berit Mila, p. 164
    12- Le Talmud de Jérusalem, tome VII, p. 9
    13- لويس، ص 81-82.
    14- النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 44.
    15- أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل السابع، الرقم 7).
    16- الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 25-27.
    17- أنظر نصّه في الجزء الأوّل، الفصل الأوّل، الرقم 4).
    18- النص العربي فيAlbucasis, p. 401
    19- النص العربي في Albucasis, p. 9
    20- النص العربي في Albucasis, p. 167-169
    21- أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثالث.
    22- باشا، ص 64-65. ونفس التتفيه لمخاطر الختان نجده عند القادري، ص 100 وعند البار: الختان، ص 107-109
    23- Wiswell: Routine neonatal circumcision; Warner; Strashin: Benefits and risks of circumcision
    24- Wiswell.: Routine neonatal circumcision
    25- American Academy of Pediatrics, report of the Task force on circumcision, Pediatrics, 1989
    26- Wiswell (et al.): Risks from circumcision
    27- Romberg: Circumcision, p. 198
    28- Denniston: Circumcision: an iatrogenic epidemic, p. 106
    29- Denniston; Milos (editors): Sexual mutilations, preface, p. V-VI
    30- Denniston: Circumcision: an iatrogenic epidemic, p. 106
    31- Bodily integrity for both, p. 42
    32- NOCIRC Newsletter, Fall/Winter 1995
    33- Denniston; Milos (editors): Sexual mutilations, preface, p. V-VI. See also أنظر أيضاً بخصوص مضاعفات ختان الذكور في هذه القبيلة مقال Crowley; Kesner, p. 318-319;. وأنظر أيضاً مقالات جرائد حول هذه المضاعفات في تلك القبيلة في نهاية كتاب Bodily integrity for both
    34- Crowley; Kesner, p. 320
    35- ما عدا ما سنذكره ضمن نصّنا، نعتمد هنا على المصادر التالية: Romberg: Circumcision, p. 199-231; Ritter, p. 5-2/5-6; Warren: NORM UK, p. 93; Zwang: Functional and erotic consequences, p. 73-74; Cold; Taylor: The prepuce, p. 41
    36- Romberg: Circumcision, p. 171
    37- عمّار، ص 50.
    38- Denniston: Circumcision: an iatrogenic epidemic, p. 106
    39- Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 158-160; Romberg: Circumcision, p. 225; Zoossmann-Diskin; Blustein: p. 344
    40- Glass, p. 20- 21
    41- Zoossmann-Diskin; Blustein, p. 344
    42- Goodman: Jewish circumcision, p. 23
    43- Cold; Taylor: The prepuce, p. 42
    44- إبن حزم: المحلّى، جزء 10، ص 458.
    45- نقلاً عن الترجمة الإيطاليّة Nefzaoui, p. 302. يلاحظ أن هذا التفصيل غير موجود في الطبعة العربيّة: النفزاوي، ص 110.
    46- إبراهيم: الختان، ص 7-8. أنظر أيضاً ص 11.
    47- إبراهيم: الختان، ص 17.
    48- Sanderson, p. 21
    49- Cook, p. 54
    50- El-Dareer, p. 28
    51- Koso-Thomas: The circumcision, p. 29
    52- ما عدا ما سنذكره ضمن نصّنا، نعتمد هنا على المصادر التالية: الممارسات التقليديّة الضارّة: ص 18-21؛ عبد السلام ؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 74-78؛ رزق، ص 26-31؛ عبد السلام: التشويه الجنسي، ص 14-18؛ مهران، ص 58-64؛ Sanderson, p. 40; Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 57-60; Zwang: Functional and erotic consequences, p. 67-68; Female genital mutilation, an overview, p. 25-36; Kalthegener; Ruby: Zara Yacoub, p. 85
    53- Lightfoot- Klein: Prisoners, p. 56
    54- Thiam, p. 102-103
    55- Dirie, p. 76-77
    56- Odent, p. 121-124

    للمزيد من المعلومات عن الختان راجع الكتاب الاصلي:
    http://www.yassar.freesurf.fr/yassar.html
    كلا كلا عنصرية، كلا كلا احزاب مرتزقة بالدين كلا كلا طائفية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي

    الفصل الخامس : المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث

    للإنسان الحق في اللذّة الجنسيّة لراحته الجسديّة والنفسيّة تماماً كحقّه في الأكل والشرب والنوم. واللذّة الجنسيّة هي إحدى غايات ووسائل تماسك الزواج. وكما أن قطع جزء من اللسان يؤدّي إلى إنتقاص في حاسّة الذوق واللذّة الذوقيّة، فكذلك يؤدّي قطع جزء من الأعضاء الجنسيّة إلى إضعاف اللذّة الجنسيّة. وإذا لم يتمكّن الإنسان من الوصول إلى اللذّة كما نظّمتها الطبيعة فإنه سوف يبحث عنها بوسائل أخرى كالمخدّرات والشذوذ الجنسي والتبديل للشريك، ممّا يخلق مشاكل في الحياة الزوجيّة. وهذا ما سوف نراه في فصلنا هذا.

    1) ختان الذكور واللذّة الجنسيّة

    أ) مؤيّدو ختان الذكور قديماً يرون فيه إضعاف للذّة

    رأي رجال الدين اليهود قديماً في الختان وسيلة مثلى لإضعاف العضو التناسلي عند الذكر وتخفيف اللذّة الجنسيّة وكبت الشهوة، ليس فقط عند الرجل بل أيضاً عند شريكته في العلاقة الجنسيّة. وقد أيّدوا الختان لأن نتائجه تتّفق مع نظرتهم السلبيّة للشهوة الجنسيّة.

    يقول المفكّر اليهودي "فيلون" أن الهدف من الختان هو الحد من اللذّة التي تسحر النفس. فاللذّة النابعة من العلاقة الجنسيّة بين الرجل والمرأة هي أقوى لذّة عند الإنسان. ولذلك قرّر المشرّعون بتر العضو الجنسي المتّصل بهذه اللذّة، ليس فقط للحد من هذه اللذّة، بل للحد من جميع الملذّات الأخرى 1. ويضيف في مكان آخر أن الله أمر بختان الذكور وليس بختان الإناث لأن الرجل أكثر إحساساً باللذّة الجنسيّة من المرأة، فيبحث عن التزاوج. ولذلك أراد الله أن يحد من لذّته ويخفّف من اندفاعه 2.

    ونجد رأياً مماثلاً عند الطبيب والفيلسوف موسى إبن ميمون الذي يقول : "وكذلك الختان أيضاً عندي إحدى علله تقليل النكاح وإضعاف هذه الآلة حتّى يقصر هذا الفعل ويجمّ ما أمكن. وقد ظُنَّ أن هذا الختان هو تكميل نقص خلقة، فوجد كل طاعن موضعاً للطعن. وقيل كيف تكون الأمور الطبيعيّة ناقصة حتّى تحتاج لتكميل من خارج مع ما تبيّن من منفعة تلك الجلدة لذلك العضو. وليس هذه الفريضة لتكميل نقص الخلقة، بل لتكميل نقص الخُلق. وتلك الأذيّة الجسمانيّة الحاصلة لهذا العضو هي المقصودة التي لا يختل بها من الأفعال التي بها قوام الشخص، ولا بطل بها التناسل، ولكن نقص بها الكَلَب والشره الزائد على ما يحتاج. وأمّا كون الختان يضعف قوّة الإنعاظ، وقد ربّما نقّص اللذّة، أمر لا شك فيه، لأن العضو إذا أُدمي، وأزيلت وقايته من أوّل نشوئه، فلا شك، أنه يضعف. وببيان قالوا الحُكماء عليهم السلام : إنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها، فهذا أوكد أسباب الختان عندي. ومن يتبدئ بهذا الفعل إلاّ إبراهيم الذي شهر من عفّته". ويضيف : "وممّا إشتملت عليه أيضاً هذه الجملة النهي عن إفساد آلات النكاح من كل ذكر من الحيوان مطرداً على أصل : "رسوم وأحكام عادلة" (تثنية 8 :4)، أعني تعديل الأمور كلّها لا يفرط في الجماع كما ذكرنا، ولا يعطّل أيضاً بالكلّية الأمر وقال : "أثمري وأكثري" (التكوين 22 :1). كذلك هذه الآلة تضعف بالختان، ولا تستأصل بالقطع بل يترك الأمر الطبيعي على طبيعته ويُتحفّظ من الإفراط" 3.

    ويقول الحاخام "إسحاق بين يديا" الذي عاش في فرنسا في القرن الثالث عشر إن الرجل غير المختون مليء بالشهوة. والمرأة تنجذب نحوه. فهو يبقى في داخلها لوقت طويل بسبب الغلفة التي تقلّل من سرعة القذف. وهي تجد لذّة في ذلك ممّا يدفعها إلى ممارسة العلاقة الجنسيّة بشكل أكثر تواتراً. أمّا زوجة اليهودي، فهي لا تصل إلى ذروة اللذّة إلاّ مرّة في السنة لأن ختان زوجها يؤدّي إلى قذف سريع. وهكذا يركّز الرجل كل جهده في دراسة التوراة بدلاً من أن يشغل عقله في الجنس 4.

    وعند أقباط مصر يقول إبن العسّال : "وأمّا المنفعة [من الختان] فقد ذكر بعض رجال الطب المتفلسفين المصنّفين أن الختان يضعف آلة الشهوة فتقل وهذا بالإتّفاق مستحب" 5. ويرى توما الأكويني أن أحد أسباب وضع الختان كعلامة للإيمان في القضيب وليس في الرأس هو إنقاص الشهوة واللذّة الجنسيّة 6.

    وفي الكتابات الإسلاميّة هناك رأي مماثل. يقول إبن قيّم الجوزيّة بأن في الختان تعديل للشهوة "التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلّية ألحقته بالجمادات. فالختان يعدّلها ولهذا تجد الأغلف من الرجال والغلفاء من النساء لا يشبع من الجماع" 7. ويقول المنّاوي (توفّى عام 1622) نقلاً عن الإمام الرازي (دون تحديد هويّته) : "إن الحشفة قويّة الحس. فما دامت مستورة بالغلفة تقوّي اللذّة عند المباشرة. وإذا قطعت صلبت الحشفة فضعفت اللذّة، وهو اللائق بشرعنا تقليلاً للذّة لا قطعاً لها توسيطاً بين الإفراط والتفريط" 8.

    ولا شك في أن الفكر اليهودي كما عبّر عنه "فيلون" وابن ميمون قد أثّر على الفكر المسيحي والإسلامي. وسوف نرى كيف أن الغرب لجأ للختان للحد من العادة السرّية بسبب النظرة اليهوديّة السلبيّة للذّة الجنسيّة. وهذه النظرة السلبيّة هي أحد أسباب إستمرار الختان في الولايات المتّحدة. يقول طبيب أمريكي أن مجتمع الولايات المتّحدة ما زال مكبوتاً جنسيّاً. فبالرغم من إثبات الطب عدم ضرورة الختان، فإنه ما زال مستمرّاً هناك لأسباب خفيّة لاشعوريّة أو شعوريّة وهي الحاجة للسيطرة على التصرّف الجنسي 9.

    ب) معارضو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة

    يتّفق معارضو ختان الذكور مع من ذكرناهم سابقاً في أن الختان يضعف اللذّة الجنسيّة ويحاولون إيجاد تفسير علمي لذلك. ولكن خلافاً لهم، يعارضون الختان لأن نتائجه تتضارب مع نظرتهم الإيجابيّة للذّة الجنسيّة.

    يبيّن المعارضون بأن اللذّة الجنسيّة، خلافاً لما قد يعتقد، لا توجد في الحشفة (رأس القضيب) بل في إكليل الحشفة واللجام والغلفة. فالحشفة تكاد تكون عديمة الحساسيّة، قليلاً ما تتأثّر بالألم والحرارة. والعضو الوحيد الأقل حساسيّة من الحشفة هو عقب القدم. وبقطع الغلفة يتم تعرية الحشفة وإكليلها، ممّا يجعلهما تدريجيّاً مع تقدّم العمر أقل حساسيّة ونعومة ورطوبة. ويقارن بين الحشفة والقدم العارية : فكلّما سرت بقدم عارية، يخشن جلدها وتنقص حساسيّتها. وبقطع الغلفة يحرم القضيب من أكثر خلايا جسم الإنسان حساسيّة وتهيّجاً. فقد تصل كمّية الجلد التي تقطع إلى 80% من جلد القضيب يقضي على قرابة متر من الأوردة الدمويّة والشرايين وقرابة 10 أمتار من الأعصاب و20.000 نهاية عصبيّة. كما أن الختان أحياناً يحدث أضراراً باللجام 10.

    إن كان الختان لا يمنع إنتصاب القضيب، إلاّ أن تقليص مساحة الجلد الذي يتمدّد فيه وإضعاف مطّاطيّته يجعل هذا الجلد مشدوداً وأقل إنزلاقاً فوق قصبة القضيب. وإذا كان القطع كبيراً، فإن القضيب قد يلتوي داخل الجلد أو يشد جلد كيس الصفن (كيس الخصوتين) للتعويض عمّا فقده. أضف إلى ذلك أن الختان قد يترك نتوءات وتشويهات في الجلد نتيجة إلتحام محل القطع.

    وفي مرحلة التحضير للعلاقة الجنسيّة، تقوم المرأة عامّة بمداعبة القضيب وتحريك جلده لكي تهيّجه وتبقيه في حالة إنتصاب إلى حين أن تصبح هي مستعدّة للعلاقة الجنسيّة. وكذلك يفعل الرجل مع المرأة في إعدادها للعلاقة الجنسيّة من خلال مداعبة بظرها وغلفتها. وتحريك جلد القضيب ليس من السهل إذا ما تم قطع جزء كبير منه بالختان. فالجلد يصبح مشدوداً. كما أن فقدان الغدد التي تفرز المادّة المرطّبة يجعل القضيب جافّاً. وإمرار اليد عليه، وخاصّة على الحشفة المكشوفة، قد يسبّب إيلاماً له، إلاّ إذا تم تعويض المادّة المرطّبة الطبيعيّة بمادّة دهنيّة كيماويّة بديلة لا تتلاءم دائماً مع الجسم ولها عواقبها، وخاصّة أنها تتسرّب إلى داخل جسم الرجل والمرأة. لذلك يجب تعليم شريكة العلاقة الجنسيّة أسلوباً لتهييج القضيب المختون بمداعبته دون إيلامه عند شد جلد القضيب إلى الوراء والى الأمام. وهكذا تكون عمليّة التهييج التحضيريّة أقل عفويّة، ممّا يحرم كل من الرجل والمرأة من لذّة التحضير. وقد يكون فقدان الغلفة عند المختونين هو أحد الأسباب التي من أجلها تقوم المرأة في الحضارة الأمريكيّة بعمليّة مص القضيب بفمها معوّضة بهذا الأسلوب فقدان رطوبة القضيب الطبيعيّة بلعابها، وفقدان النسيج الأملس عند الرجل بالنسيج المخاطي الموجود في فمها. وهذا يفسّر أيضاً لماذا تسبق العلاقة الجنسيّة للمختونين عامّة مداعبة أقل. وهكذا يقوم الختان بحرمان كل من الرجل والمرأة من لذّة مرحلة الإعداد قَبل الإيلاج.

    وبتر الغلفة يجعل العلاقة الجنسيّة ذاتها مؤلمة لكل من الرجل والمرأة. فالقضيب غير المختون عند ممارسة الجنس ينزلق دخولاً في مهبل المرأة وخروجاً منه ضمن جلده وغلفته وبطانة غلفته. وبفضل عضلات المهبل، تبقى الغلفة وبطانتها ملامسة للمهبل بينما القضيب يتحرّك داخله. أمّا إذا كان القضيب قد فقد غلفته (وبطانتها)، فإنه يتحرّك مع جلده المشدود حوله داخل المهبل. ويسبّب ذلك إحتكاكاً أشد والتهاباً أكبر للمهبل يؤدّي إلى متاعب وألم لكل من الرجل وشريكته تتحوّل إلى متاعب نفسيّة ونفور بينهما. ويضاف إلى شد جلد القضيب فقدانه لجزء كبير من المادّة المرطّبة التي تلعب دور الزيت بين عجلات الآلة. ويشار هنا إلى أن المختونين يندفعون نحو الإيلاج ويتصرّفون بسرعة وعنف كبيرين واقتحام للفرج بشدّة للحصول على مثيرات كافية للوصول إلى اللذّة والإرتواء، ممّا قد يؤدّي إلى كشط وإدماء وألم عند كل من الذكر والأنثى. وكلّما تقدّم الرجل والمرأة في العمر، فإن العلاقة الجنسيّة تصبح أقل لذّة إذ تصبح الحشفة وإكليل الحشفة أقل حساسيّة، وعمليّة الإيلاج أكثر ألماً. ويشار إلى أن ممارسة العادة السرّية تختلف في أسلوبها عند المختون من غير المختون. فغير المختون يقوم بزلق جلد القضيب المتحرّك فوق الحشفة المرطّبة ذهاباً وإياباً دون أن يكون هناك إحتكاك والتهاب ودون مس الحشفة باليد 11.

    يقول طبيب أمريكي : "إن النتيجة الأكثر مأساويّة للختان هو إنتقاصه من حساسيّة القضيب فيؤثّر بذلك على علاقة الرجل مع المرأة. فالرجل لا يمكنه بتاتاً الوصول إلى قدر كامل من اللذّة الجنسيّة كما وهبها الله. والمرأة بدورها لا يمكنها بتاتاً أن تكون شاهدة أو متقبّلة لاستجابة كاملة من محبّها. ولذلك فهي محرومة ومغشوشة فيما يحق لها أن تعطيه وتحصل عليه".

    ويشبّه هذا الطبيب الرجل المختون بالموسيقي الذي يملك آلة موسيقيّة رديئة. فمهما كانت مقدرته الموسيقيّة فإنه لن يتمكّن من أن يستخلص منها لحناً موسيقياً يتّفق ومقدرته 12. هذا وسوف نرى في الفصل السابع كيف أن المختونين يحاولون الآن مط جلد القضيب حتّى يسترجعوا بعض ما فقدوه بالختان من طول في الجلد وقوّة في اللذّة.

    ج) مؤيّدو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه تقوية للذّة

    قديماً أيّد رجل الدين ختان الذكور لأنه يضعف اللذّة الجنسيّة. ثم جاء معارضو الختان فرفضوه لأنه يضعف تلك اللذّة التي يعتبرونها حقاً طبيعيّاً للإنسان. ومع إختلاف القيم، أخذ مؤيّدو ختان الذكور يقولون بأن الختان لا يضعف اللذّة الجنسيّة، لا بل قد يقوّيها. فالمختونون وشريكاتهم لا يتذمّرون من حالهم. والختان يؤدّي إلى إبطاء في عمليّة القذف وإطالة في العلاقة الجنسيّة، ومن ثم مزيداً من اللذّة لكل من الرجل وشريكته. والنظافة الناتجة عن الختان تعمل على زيادة اللذّة. ولكن ما هي حقيقة الأمر ؟

    رضى المختونين عن ختانهم

    إن القول بأن ختان الذكور لا يضر لأن المختونين راضون عن ختانهم ليس له أساس علمي. فليس من السهل أن يتكلّم الرجل عن متاعبه الجنسيّة إلاّ بحياء كبير وفي محيط يثق فيه، لأن ذلك متعلّق برجولته. أضف إلى ذلك الهاجس الديني. وبدلاً من الإعتراف بنقصه يشدّد المختون على كونه بحالة جيّدة لحماية نفسه. ومن جهة أخرى لا يعرف كثير من المختونين ما فقدوا لأنهم لا يملكون وسيلة للمقارنة بين وضعهم الحالي وكيف كان يمكنهم أن يكونوا لو لم يختنوا. فكل تجربتهم الجنسيّة تمّت بقضيب مختون. وهم في ذلك يشبهون فاقد تمييز الألوان. فهو يظن أن كل شيء على ما يرام وكما يراه ولا يعرف شكلاً آخر للألوان. من جهة أخرى يجهل هؤلاء المختونون تماماً ما هي وظيفة الغلفة وكيفيّة عمل القضيب غير المختون. فالكتب الطبّية والشعبيّة تصوّر لهم القضيب دون غلفة 13.

    وقد قام "ماستيرز" و"جونسون" بإجراء تجربة على 35 شخصاً مختوناً 35 شخصاً غير مختون من نفس العمر بإيصال أجهزة تكشف عن الحساسيّة. ولم تؤدّي هذه التجربة لأي إختلاف يذكر بين المجموعتين 14. إلاّ أن معارضي ختان الذكور يشكّكون في طريقة ونتائج هذا الإختبار، لأنه لم يقس حساسيّة الغلفة. ومن المعروف أن الأعصاب الحسّية تتركّز في الغلفة وليس في الحشفة 15. وقد أجريت دراسة إستطلاعيّة عام 1994 على 313 شخصاً مختوناً في الولايات المتّحدة ينتمون إلى أوساط دينيّة وعرقيّة مختلفة ولهم صلة بمراكز مكافحة الختان واستعادة الغلفة. وتبيّن هذه الدراسة بأن 61% منهم يعانون من نقص في الحساسيّة، وأن هذا النقص أدّى إلى عرقلة العلاقة الجنسيّة من خلال مشاكل الإنتصاب وصعوبة القذف أو عدم الوصول للإرتواء الجنسي. وقد إضطر 40% منهم إلى اللجوء إلى مثيرات غير طبيعيّة. وأجاب عدد كبير منهم بأن العلاقة الجنسيّة العاديّة (ولوج الفرج) ليست كافية لإثارتهم للوصول إلى اللذّة والإرتواء. وفي تقرير آخر تبيّن أن 50% من المختونين غير راضين عن ختانهم، بينما 3% من غير المختونين غير راضيين عن وضعهم 16.

    وقد بيّن بحث أجري على خمس أشخاص ختنوا عندما كانوا بالغين حدوث تغيير في حساسيّة ولذّة القضيب قَبل وبعد الختان. وقد إستنتج البحث أن من الخطأ إعتبار الختان عمليّة تزيد من الإثارة الجنسيّة 17. وقد ندم آخرون بعد ختانهم. وقد ذكر أحدهم أن الإختلاف قَبل وبعد العمليّة يشبه الإختلاف بين النهار والليل. وكان طبيبه قد نصحه بإجراء العمليّة لأنه دون ذلك قد يصاب بسرطان القضيب. وعندما إشتكى إلى طبيبه من النتائج، قال له الطبيب بأن تلك النتائج طبيعيّة. وقد قال آخر بأنه أحس بعد الختان وكأنه يعزف قيثارة مع أصابع متصلّبة. وقال ثالث بأن اللذّة الجنسيّة قَبل وبعد الختان إختلفت كمن كان يرى بالألوان فأصبح يرى فقط باللونين الأبيض والأسود. وقال آخر بأن حساسيّة حشفته قد نقصت بمعدّل 50%. ولكن في حالة أخرى ذكر طبيب تمّت عليه العمليّة في سن البلوغ، أنه شعر بتحسّن في لذّته الجنسيّة. ومن تفسيره يظهر أنه كان يشكو سابقاً من سرعة القذف 18.

    وهناك دراسة قام بها طبيبان في مستشفى بمدينة "العفّولة" حول المهاجرين الروس الذين ختنوا بعد مجيئهم إلى إسرائيل. فقد تبيّن من الأجوبة التي إستلمها الطبيبان من 76 مهاجراً روسياً أن من ختن كبيراً أحس بضعف في الرضى الجنسي. فبينما رأى 54% منهم وجود رضى قَبل الختان، فإن فقط 24% أحسّوا برضى بعد الختان. وكان هناك نسبة 30% إلى 61% ممّن كانوا راضيين بصورة متوسّطة. ولا تغيير في نسبة من كانوا غير راضيين قَبل الختان. وقال 68% منهم بأنهم ختنوا تعبيراً عن إنتمائهم لليهوديّة، بينما قال 10% منهم بأنهم ختنوا تمشّياً مع العادات الإجتماعيّة الإسرائيليّة والباقون بسبب الضغوط الإجتماعيّة. وواحد فقط كان سبب ختانه طبّياً. وعليه فقد يكون بعض الذين أجابوا قد أخفوا حقيقة مدى إحساسهم باللذّة الجنسيّة 19.

    ويؤكّد الذين يستعيدون غلفتهم بأنهم يشعرون بلذّة أكبر في العلاقة الجنسيّة ممّا كان عليه الأمر قَبل إستعادة تلك الغلفة. ولنا عودة لاستعادة الغلفة في الفصل السابع.

    الختان وإبطاء القذف
    لم نجد عند الكتّاب المسلمين المعاصرين أيّة إشارة لإضعاف اللذّة الجنسيّة بسبب ختان الذكور. وهم يجهلون أو يتجاهلون آراء معارضي ختان الذكور في هذا المجال. إلاّ أننا نجد عندهم آراءاً تقول بأن ختان الذكور يبطئ القذف ويطيل من الجماع واللذّة الجنسيّة. وأقوالهم هذه يتناقلونها عامّة عن الغرب. فهم لا يجرون أبحاثاً في هذا المجال.

    يرى الدكتور محمّد رمضان أنه بقطع غلفة القضيب "ينكشف رأس القضيب ممّا يفيده في الإستمتاع" 20. وحقيقة الأمر أن الحشفة تنكشف في العلاقة الجنسيّة بمجرّد إنتصاب القضيب سواء كان الشخص مختوناً أو غير مختون. ويقول مجدي فتحي السيّد : "يبدو أن للختان [ختان الذكور] تأثيراً غير مباشر على القوّة الجنسيّة. فقد تبيّن من إحصائيّات بعض المعاهد العلميّة بأن المختونين تطول مدّة الجماع عندهم، قَبل القذف، أكثر من غير المختونين. لذلك فهم أكثر إستمتاعاً وأكثر إمتاعا وارضاءاً" 21. وقد نشرنا في الملحق 24 نصّاً للشيخ محمود محمّد خضر يذهب نفس المنحى.

    مثل هذه الآراء نجدها في الكتابات الطبّية الغربيّة التي تعتمد عليها اليوم الكتابات المؤيّدة لختان الذكور، والتي ترى في إسراع القذف عاهة جنسيّة. وسبب طول الجماع في نظرهم نابع من تقليص الختان لمساحة جلد القضيب المهيّج جنسيّاً. من جهة أخرى يؤدّي الختان إلى كشف الحشفة منذ الصغر، ممّا يجعل هذه الأخيرة تخشن وتفقد حساسيّتها باحتكاكها بالملابس. وبإضعاف الحساسيّة الجنسيّة، يتم تأخير القذف. وعلى هذا الأساس، تنصح كتب شعبيّة عدّة في الولايات المتّحدة بإجراء الختان كوسيلة لإبطاء القذف وزيادة اللذّة 22. إلاّ أن هذه النظريّة تصطدم بمشكلة تعريف "سرعة القذف" وتحديد الأسباب التي تؤدّي إليها.

    يشير كتاب "كاماسوترا" الهندي الشهير أن في أوّل ممارسة جنسيّة للرجل تكون لذّته شديدة وتستلزم وقتاً قصيراً، ثم تنعكس الحال في الممارسات الجنسيّة التالية التي تتم في نفس اليوم. أمّا في أوّل ممارسة جنسيّة للمرأة، فإن تلك العلاقة تبدأ فاترة وتستلزم وقتاً طويلاً، وفي الممارسات التالية التي تتم في نفس اليوم، فإن لذّتها تصبح أشد وتستلزم وقتاً أقصر للوصول إلى الإرتواء الجنسي 23.

    هذا ويعتبر الأطبّاء سرعة القذف عيباً إذا تم خارج المهبل بمجرّد ملامسته واستمر الحال عليه. وإذا كان القذف سريعاً داخل المهبل ووافق إرتواء الرجل إرتواء المرأة، فهذا أمر لا يعتبر عيباً. أمّا إذا تأخّر قذف وارتواء الرجل عن إرتوائها فقد يحس الرجل بانتقاص في قدرته الجنسيّة. وإذا كان إرتواؤه أسرع من إرتواء المرأة ثم أهملها ولم يوصلها للإرتواء بدورها، فقد يشعر الرجل أن المرأة باردة، كما قد تشعر المرأة بالإحباط. وسرعة الإرتواء عند الرجل والمرأة تتعلّق بعوامل كثيرة من بينها عدم إستطاعة الرجل السيطرة على العلاقة الجنسيّة، وتهيّج كبير لدى علاقة مع شريكة أو شريك جديد. وقد يلعب الدين دوراً في سرعة القذف أو في إبطائه. فاليهود الأرثوذكس يرون ضرورة القذف بأسرع وقت ممكن. وهذا يعني أن سرعة القذف هو مصطلح نسبي يختلف من شخص إلى آخر ومن شريك إلى آخر. ويلاحظ أن القذف عند الحيوانات يتم حال إدخال القضيب في مهبل الأنثى 24.

    هذا ولم يثبت علميّاً وجود علاقة بين سرعة أو إبطاء القذف وبين الختان. ولو كان قولهم صحيحاً لواجه غير المختونين مشاكل أكثر من المختونين. ومشكلة سرعة القذف توجد في الولايات المتّحدة حتّى بين المختونين. وارتفاع الختان في هذا البلد من 50% إلى 75% في عام 1980 لم يؤد إلى تقلّص هذه المشكلة، لا بل زادها حدّة. واليهود مثل غيرهم يتّجهون للعيادات الطبّية لمعالجة سرعة القذف رغم ختانهم. وهناك شهادات بعض الأفراد الذين تم ختانهم كباراً. وهم يؤكّدون أن الختان قد حسّن علاقاتهم الجنسيّة بإبطاء سرعة القذف. ولكن هذا قد يكون في زمن محدود بعد العمليّة، ثم ما يلبث أن يعود إلى سرعة القذف. وهناك شهادات مخالفة تماماً من أفراد ختنوا صغاراً ثم إستعادوا غلفتهم عندما كبروا بالوسائل التي سنعرضها لاحقاً. وقد أدّى ذلك إلى إبطاء القذف وسيطرة أكبر على العلاقة الجنسيّة 25.

    يقول الدكتور "تسفانج"، الأخصّائي في علم الجنس، إن فقدان الغلفة يجعل الحشفة أكثر خشونة. وقد يظن البعض أن ذلك يسمح للشخص المختون أن يستمر في العلاقة الجنسيّة لساعات وساعات لارواء شريكته. وحقيقة الأمر هو أن خشونة الحشفة لا تمنع من القذف السريع 26.

    رضى النساء عن ختان الذكور

    يرى مؤيّدو ختان الذكور في أيّامنا بأن النساء تفضّل العلاقة الجنسيّة مع المختونين. ولكن هناك آراء تخالف ذلك.

    رأينا سابقاً قولاً لموسى إبن ميمون "إنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها". أي أنها تجد مع غير المختون لذّة أكثر ممّا مع المختون. وقد تم إستطلاع رأي 139 إمرأة كان لهن علاقات جنسيّة مع مختونين وغير مختونين. وتبيّن منها ما يلي :

    - أن الشريك المختون يصل إلى القذف قَبل الأوان بصورة أكبر من غير المختون.
    - أن النساء أقل بلوغاً للإرتواء الجنسي في العلاقة مع المختونين.
    - أن النساء يقل إحساسهن بالإرتياح وتقل عدد مرّات وصولهن إلى الإرتواء الجنسي مع المختونين.
    - أن إفرازات المهبل تضعف مع إستمرار إيلاج المختون. وإذا ما كان الجماع طويلاً، تقل رغبة المرأة في إستمراره.
    - أن النساء التي يقل عمرهن عن 29 سنة يفضّلن الوصول إلى الإرتواء من خلال العلاقة الجنسيّة بالفم مع المختونين.
    - أن النساء يفضّلن العلاقة الجنسيّة بالفرج مع غير المختونين بدلاً من المختونين.
    - أن النساء يشعرن بأن الرجال غير المختونين يجدون متعة أكثر في العلاقة الجنسيّة العاديّة، وأن المختونين أكثر ممارسة للعادة السرّية والجنس بالفم. وهذه الظاهرة قد تكون لأنهم لا يتمتّعون كثيراً بالعلاقة الجنسيّة العاديّة.
    - أن العلاقة الزوجيّة والشراكة الجنسيّة أطول مع غير المختونين ممّا مع المختونين. وهذا ما يؤكّد مقولة إبن ميمون. فوجود الغلفة يؤدّي إلى إلفة أكبر بين الزوجين 27.

    وقد جاء في رسالة على الانترنيت بعثت بها إمرأة متزوّجة من رجل مختون لمجموعة تناقش كل من ختان الذكور والإناث. تقول فيها أن زوجها "مختون ومشوّه من جرّاء هذه العمليّة. وهي تشعر بما فقده من لذّة في الجماع"

    تضيف :

    "الهدف الأخير لختان الذكور هو إضعاف اللذّة الجنسيّة للنساء. فالمرأة الطبيعيّة لا يمكنها الوصول إلى نفس مستوى اللذّة مع رجل مختون مثلما مع رجل غير مختون. وإني متمسّكة برأيي بأن السبب الذي من أجله تم فرض ختان الذكور قديماً هو نوع من التمييز ضد النساء. وما زال ذلك هو سبب ممارسة الختان في أيّامنا. ونحن نشدّد اليوم على ألم الطفل بدلاً من التشديد على الآثار السيّئة لختان الذكور على كل من الرجل والمرأة. وتشعر النساء بأن علاقتهن الجنسيّة ليست على ما يرام، ولكنّهن لا يرين العلاقة بين رداءة العلاقة الجنسيّة وبين ختان الذكور. وهذا أمر حزين. فلو ربطت النساء بين ختان الذكور والعلاقة الجنسيّة الرديئة، لانتهت هذه الممارسة حالاً" 28.

    ويرى مؤيّدو ختان الذكور بأن الطعام اللذيذ لا يمكن إستساغته لو كان في صحن قذر أو على مائدة قذرة. وهم يعتبرون أن العضو التناسلي غير المختون مقزّز بسبب المادّة المرطّبة التي يفرزها. وعلى هذا الأساس، يمنح بعض المسلمين للزوجة المسلمة الحق في تطليق زوجها إن كان غير مختون 29. ويرد معارضو الختان بأن المادّة الرطبة لدى القضيب هي ظاهرة طبيعيّة تماماً كما هو الأمر لأعضاء أخرى في جسم الإنسان كالأذن والأنف والإبط والفم والجلد ومهبل المرأة. فهذه المادّة عامل وقاية للجسم وتساعد في ترطيبه. وقد رأينا أن هذه المادّة تساعد في العمليّة الجنسيّة. يضاف إلى ذلك أن المادّة المرطّبة عند الرجل تلعب دور الجذب الجنسي وتساعد للوصول إلى الإرتواء. هذا ما أثبتته الدراسات التي أجريت على الحيوان. وعلى كل حال لا يمكن ولا يجب القضاء على هذه المادّة بصورة تامّة، ويمكن المحافظة على النظافة الضروريّة للعضو الذي يفرزها، دون قطعه 30.

    هذا وقد تلعب الثقافة ونفسيّة الإنسان دوراً في علاقة الختان باللذّة الجنسيّة. فالمرأة التي تعيش في مجتمع لا يختن الذكور، قد ترى في الختان عيباً وتصاب بصدمة من هذه الظاهرة. أمّا التي تعيش في مجتمع يختن الذكور، قد ترى في عدم الختان عيباً تتقزّز منه. والعكس صحيح. ففي تغيير السروج راحة، حسب قول المثل. وتقول "رومبيرغ" بأنه يجب تخطّي مثل هذه الإختلافات السطحيّة التي لا أهمّية لها إذا ما قيست بقيم أخرى مثل اللطف والحرص على الآخر والمداعبة 31.

    وقَبل الإنتقال إلى علاقة ختان الإناث باللذّة الجنسيّة نشير إلى أن قبيلة "كيكويو" الكينيّة لا تفصل غلفة القضيب بل تتركها مدلاّة (وتسمّى الفرشاة)، والقصد من ذلك هو زيادة التهيّج الجنسي. وعندما تكون المرأة حاملاً، فإن هذه القطعة تعتبر الحد الذي يمكن للرجل إيلاجه من قضيبه في فرج إمرأته حتّى لا يؤذيها 32.

    2) ختان الإناث واللذّة الجنسيّة

    أ) مؤيّدو ختان الإناث قديماً يرون فيه إضعافاً للذّة

    رأى مؤيّدو ختان الإناث قديماً فيه وسيلة لإضعاف لذّة المرأة وكبح جماحها لصدّها عن طريق الرذيلة والسيطرة عليها.

    فإذا رجعنا إلى الأحاديث التي جاءت في ختان المرأة، وكلّها مشكوك في صحّتها، وجدنا أن أهم حديث في هذا الخصوص يربط بين اللذّة وختان الإناث. وهذا الحديث ينقل قولاً للنبي لامرأة كانت تعمل خاتنة للجواري : "أشمّي ولا تُنهِكي، فإنه أنور للوجه وأحظى للرجل". وهناك صوراً أخرى لهذا الحديث في نفس المعنى 33. واعتماداً على هذا الحديث، كتب الجاحظ :

    "والبظراء تجد من اللذّة ما لا تجده المختونة. فإن كانت مستأصلة مستوعبة كان على قدر ذلك [...]. قال النبي (ص) للخاتنة : يا أم عطيّة أشمّيه ولا تُنهِكيه فإنه أسرى للوجه وأحظى عند البعل. كأنه أراد النبي (ص) أن ينقص من شهوتها بقدر ما يردّها إلى الإعتدال. فإن شهوتها إذا قلت ذهب التمتّع ونقص حب الأزواج. وحب الزوج قيد دون الفجور [...]. وزعم جناب بن الخشخاش القاضي أنه أحصى في قرية واحدة النساء المختونات والمعبرات، فوجد أكثر العفائف مستوعبات [أي مختونات] وأكثر الفواجر معبرات [أي غير مختونات]، وأن نساء الهند والروم وفارس إنّما صار الزنى وطلب الرجال فيهن أعم لأن شهوتهن للرجال أكثر. ولذلك إتّخذ الهند دوراً للزواني. قالوا : وليس لذلك عِلّة إلاّ وفرة البظر والغلفة" 34.

    ويكرّر علينا الفقهاء نص الجاحظ هذا مع بعض الإختلافات 35. وذكر إبن تيميّة : "إن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في الغلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت غلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة" 36. ويضيف في كتاب آخر : "ولهذا يقال في الشائمة : يا إبن الغلفاء! فإن الغلفاء تتطلّع إلى الرجال أكثر. ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين. وإذا حصلت المبالغة في الختان حصل المقصود باعتدال، والله أعلم" 37. ويقول إبن قيّم الجوزيّة بأن في ختان الإناث (والذكور) تعديل للشهوتها "التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلّية ألحقته بالجمادات. فالختان يعدّلها ولهذا تجد الأغلف من الرجال والغلفاء من النساء لا يشبع من الجماع" 38.

    هناك إذاً عند الفقهاء القدامى رغبة في كبح جماح شهوة المرأة والسيطرة عليها حتّى لا تنظر لغير زوجها وتنزلق للرذيلة. ونجد تعبيراً بليغاً لموقفهم هذا في قول لمالك ينقله لنا الباجي : "ومن إبتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه" 39. ومعنى ذلك أنه أسهل على صاحب الأمة السيطرة عليها في البيت إذا كانت مختونة.

    ب) معارضو ختان الإناث في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة

    يشدّد معارضو ختان الإناث في مصر على أن بتر البظر يؤدّي إلى إنتقاص في اللذّة الجنسيّة عند المرأة. تقول الدكتورة نوال السعداوي :

    "البظر [...] يتميّز بأنه العضو الوحيد الذي يشتمل على أنسجة قابلة للإنتصاب أثناء الإثارة الجنسيّة وعلى أكثر الأعصاب حساسيّة بلذّة الجنس. وهو الذي يقود العمليّة الجنسيّة من أوّلها إلى آخرها. وبدونه لا تصل المرأة إلى قمة اللذّة التي يصاحبها الإنزال وتنتهي به العمليّة الجنسيّة.

    ويتشابه البظر مع عضو التذكير عند الرجل في شكله وتكوينه وشدّة حساسيّته وأهمّية دوره في الجنس. ولا عجب في ذلك ولا غرابة. فأصلهما واحد في الجنسين، والخلايا التي تصنع البظر هي نفسها الخلايا التي تصنع عضو التذكير. لكن الذي يحدث خلال تطوّر الجنين أن البظر في الأنثى يتوقّف عن النمو في مرحلة من المراحل وأن عضو الذكر يستمر في النمو فترة أطول. لكن المجتمع، وقد قرّر لأسباب إقتصاديّة أن دور المرأة الوحيد في الحياة هو إنجاب وخدمة الزوج والأولاد، فقد رأى حرمان المرأة من اللذّة الجنسيّة التي قد تشغلها عن الدور الذي رسمه المجتمع لها.

    وقد نتج عن هذا أن جهل الرجل بظر المرأة وتجاهله، ولم يعرف إلاّ المهبل لأنه الأداة الوحيدة لإمتاعه. وتصوّر الرجل بسبب الجهل أنه ما دام يصل هو إلى قمة اللذّة عن طريق مهبل المرأة فلا بد أن المرأة أيضاً تصل إلى قمة اللذّة عن طريق المهبل. وبسبب الأنانيّة لم يستطع الرجل أن يكتشف خطأه ويتعرّف على الطريق الذي يمكن أن يصل بالمرأة إلى اللذّة" 40.

    ويقول الدكتور ماهر مهران : "أن نسبة الضعف في التجاوب في التي أجريت لهن عمليّة الختان تصل إلى 54% ويرجع هذا إلى إستئصال المناطق الحسّاسة اللازمة للتفاعل الجنسي. وممّا لا شك فيه أن عدم تجاوب المرأة في اللقاء الجنسي يؤدّي إلى مشاكل عديدة أوّلها عدم تواصل التعاون الجنسي بين الزوج والزوجة، ممّا يؤدّي إلى إحتقان مزمن في الحوض والألم وإفرازات مهبليّة بجانب التوتّر العصبي والنفسي" 41.

    ويقول الدكتور محمّد سعيد الحديدي : "ما حال أحدنا إذا قطع لسانه لا سمح الله وأريد منه أن يتذوّق شيئاً ليحكم عليه. لا شك أنه يستحيل عليه ذلك. نعم قد يستسيغ الطعام الذي يأكله لأن له رائحة ذكيّة أو لأن شكله جميل أو لأنه يعرف عنه أنه غذاء لذيذ شهي فيقتنع من ناحية معنويّة فقط أن هذا الغذاء سيفيده.
    هذا بالضبط يا حضرات السادة سؤالي الذي أوجّهه إليكم اليوم والذي أريد منكم الإجابة عنه. ولا شك أنه بدهي تماماً. فكيف يمكن للزوجة المخنّثة التي أستئصِل منها العضو الخاص بالحساسيّة الجنسيّة أن تتذوّق هذه الناحية من الشعور والإحساس. لا شك أن سبيل إقناعها من هذه الناحية يصبح عسيراً صعباً وطويلاً. وهذا ما نشاهده في جميع النساء المخنّثات، وقد نتج عن نقص في الحساسيّة الجنسيّة تستعيض عنه المرأة بطول المدّة اللازمة لإقناعها من هذه الناحية وقلّما يمكن إقناعها" 42.

    ويحاول الكتّاب الغربيّون صياغة فكرهم بصورة علميّة. فيقول الدكتور "جيرارد تسفانج" أن النظام العصبي يكون عند الولادة في مراحله البدائيّة ويبدأ بالتطوّر بين سن الثانية والثالثة بواسطة اللمس اليدوي عندما يكتشف الطفل جسده. وتطوّر حلقة اللذّة الجنسيّة عند البنت متأخّر بالنسبة لتطوّر حلقة اللذّة عند الولد لأن قضيب الولد ظاهر بخلاف البظر عند البنت. فقد لوحظ أن هناك أطفال يمارسون العادة السرّية منذ وجودهم في رحم والدتهم. وعند البنت تتم حلقة أعصاب اللذّة وتصبح ذات فاعليّة ما بين سن السادسة والسابعة. ومع ممارسة العادة السرّية، يستمر تطوير تلك الأعصاب. وتطوّر الجنس عند البنات يتم فقط في الحقبة الثانية من عمرهن، أي بعد عمر عشر سنين. ففي هذا العمر يمكنهن أن يمارسن الجنس. وقد يحسسن باللذّة الجنسيّة من خلال أعصاب المهبل حتّى وإن تم قطع البظر قَبل ذلك على شرط أن تكون أعصاب اللذّة قد تطوّرت قَبل قطع البظر. وهناك نساء مختونات تدّعي أنهن وصلن لذروة اللذّة. وقد يكون هذا ممكناً إذا تم ختانهن في عمر متأخّر بحيث كانت الأعصاب متطوّرة وتم تهييجها بواسطة المهبل. ولكن لإثبات تلك الإدّعاءات يجب القيام بفحوصات في المختبرات. ومثل هذه الفحوصات غير متوفّرة لتبديد الشكوك 43.

    وقد قال في المؤتمر الذي عقد حول ختان الإناث في جنيف عام 1977 بأن 90 إلى 95% من النساء المختونات مصابة بالبرود الجنسي بصورة نهائيّة، خاصّة عند التي ختنت صغيرة ولم تجرّب اللذّة الجنسيّة قَبل ختانها. فحتّى يتم شعور المرأة المختونة باللذّة الجنسيّة يجب عليها أن تكون قد جرّبت تلك اللذّة من خلال البظر قَبل قطعها. والقول بأن النساء المختونات تستمر بالشعور باللذّة ما هو إلاّ خرافة. فليس هناك أي برهان على ذلك مخبريّاً 44.

    وقد دار جدل حاد في المؤتمر الذي عقد في لوزان عام 1996 بين هذا الطبيب وسيّدة إفريقيّة مختونة قالت بأنها تصل إلى الإرتواء الجنسي رغم ختانها. فأجابها الطبيب بأن الآلات التي تقيس اللذّة الجنسيّة لم تسجّل مثل تلك الظاهرة وأنه يقترح على من تدّعي عكس ذلك أن تعرض نفسها للفحص. وقد إعتبرت النساء قوله هذا إهانة. فرد عليهن بأنه كعالم للجنس عليه أن يبحث في موازين علميّة للتحقّق ممّا يقال ولا يقصد بتاتاً الإهانة.

    ج) مؤيّدو ختان "السُنّة" في أيّامنا يرون فيه تعديلاً أو تقوية للذّة

    يفرّق الكتّاب المسلمون عامّة بين "ختان السُنّة" الذي يجرى عملاً بالحديث النبوي "أشمّي ولا تُنهِكي"، والأنواع الأخرى الأكثر قسوة. وهم إذ يدينون هذه الأنواع، يقبلون بختان السُنّة ويعتبرونه وسيلة لعديل شهوة المرأة دون إلغاء لذّتها الجنسيّة. لا بل هناك من يرى في ذلك الختان وسيلة لزيادة لذّة كل من الرجل والمرأة. يقول الشيخ محمود شلتوت :

    "إن تلك "الزائدة" من شأنها أن تحدث عند الممارسة مضايقة للأنثى، أو للرجل الذي لم يألف الإحساس بها، ويشمئز منها، فيكون خفضها مَكرُمَة للأنثى، وفي الوقت نفسه مَكرُمَة للرجل في الفترات المعروفة. وختان الأنثى بهذا الإعتبار لا يزيد عمّا تقتضيه الراحة النفسيّة واستدامة العاطفة القلبيّة بين الرجل وزوجته، من التزيّن، والتطيّب، والتطهير من الزوائد الأخرى التي تقترب من هذا الحمى" 45.

    ويرى عبد السلام السكّري : " إن الأمر بخفاض الإناث ذو شقّين من المصلحة : الشق الأوّل : إنه يحد من غلواء شهوة المرأة حتّى لا تقع في المحظور. والشق الثاني : إن خفاضها يطيل اللذّة الجنسيّة بما يحصل به الإرواء الجنسي، وبالتالي يتحقّق الإحصان الكامل من الزوجين" 46.

    وهناك إعتقاد شعبي في مصر أن ختان الإناث يجعل البنت تفور. وقد ذكرت مجلّة صباح الخير المصريّة في 3/11/1994 نقلاً عن شابّة مصريّة إسمها أمال - 19 سنة - بائعة بمحل : "حينما وضعوني على "الماجور" كنت أستعطف أمي قائلة : يا أمّه حرام عليك. بتعملي فيّ كده ؟ أهون عليك يا أمّه ؟ فقد كنت كبيرة (11 سنة) وأعي بالأحداث التي حولي. كما كنت قد رأيت بنات كثيرة أجريت لهن هذه العمليّة ومدى الألم الذي تعرّضن له. كانت أمي كما أتذكّر تبكي معي وهي "تخلّعني" ملابسي قائلة "عشان تكبري وتفوري وتتخني". ولا أنسى نظرات "عم إسماعيل" حلاّق أخويا في جسدي كلّه وهو يعد الموسى وضربة في "الكويتشة الطويلة" ويسألهم : "أكلّتوها اللحمة وشرّبتوها اللبن ولا لسه"؟ حينما لمسني لم أصرخ من الألم قدر ما صعب علي جسمي الذي أخفيه من أبي وأمي وأخواتي، بعدها وضع لي "شويّة بن" وقطن ونصحني ألاّ أتحرّك من سريري لمدّة 10 أيّام. كل هذا كوم وعذاب أوّل مرّة أدخل الحمّام كان كوم ثاني بل كثيراً ما أتشعره للآن!"

    ونشير هنا إلى أن الغرب قد لجأ في السابق إلى ختان الإناث للحد من العادة السرّية واللذّة الجنسيّة. ومع دراسات فرويد زاد الإهتمام بالجنس وتحوّل الفكر الغربي من كبح للذّة إلى البحث عنها كحق من حقوق الفرد. وانعكس هذا على الختان، وخاصّة ختان الأنثى. وكان فرويد يعتبر البظر عضواً ثانوياً للذّة مقارنة بالمهبل. وقد نشرت إحدى تلميذاته "ماري بونابارت" دراسة عام 1924 تقول فيها إن البظر مهم للعلاقة الجنسيّة وأن الإثارة الجنسيّة مرتبطة بقربه من فتحة البول. ولذلك إقترحت أن تقرّب بينهما وذلك ببتر اللحم المحيط بالبظر من جانبيه. وقد قام بتلك العمليّة الطبيب "جوزيف هالبان" من فينا عام 1932 على خمس نساء. وكانت التجربة فاشلة 47. ورغم ذلك فقد أيّدت السيّدة "جودي لورنس" هذه النظريّة كوسيلة لزيادة اللذّة عند المرأة في كتاب لها صدر عام 1973 عنونته "البحث عن الإرتواء الكامل" 48.

    وقد كتب الدكتور اليهودي "راثمان" في عام 1959 مقالاً يقترح فيه قطع غلاف البظر إذ إن هذه العمليّة، في رأيه، قد أثبتت فائدتها منذ أكثر من 3000 سنة. بالإضافة إلى إمكانيّة اللجوء إلى هذه الوسيلة عندما يكون هناك حاجة لتصليح عيب في الشكل لتضخّم الغلفة أو عطل ميكانيكي، يرى هذا الطبيب فائدة من مثل هذا القطع في الحالات التالية :

    - إذا كانت المرأة تجد صعوبة في الوصول إلى الإرتواء الجنسي أو لا تصل إليه.
    - إذا كانت المرأة غير راغبة في العلاقة الجنسيّة رغم أنه لا يوجد هناك عيب في الغلفة. وهنا تساعد العمليّة لحل مشاكلها النفسيّة.
    - إذا كان الرجل بليداً ويصعب تثقيفه. فهذه العمليّة تساعده ليجد طريقه لبظر المرأة بسهولة.
    - إذا كان البظر صغيراً. وهنا تساعد العمليّة في إبرازه.

    ويذكر هذا الطبيب أن إمرأة عمرها 34 سنة طلّقت خمس مرّات قَبل أن تلجأ إليه. فوجد أنها تعاني من تضخّم وضيق في الغلفة وأنها لم تصل أبداً للإرتواء. وبعد أن أجرى عليها الختان، عادت وتزوّجت مع آخر رجل طلّقته ولم يعد عندها أيّة مشكلة جنسيّة. وهي تتأسّف لأنها ضيّعت أربع فرص أخرى. ولإجراء هذه العمليّة، عرض هذا الطبيب بالصور آلة من إختراعه تشبه الكمّاشة لها رأس مدبّب على شكل مثلّث يكون طرفها الأعلى مسنّن ومفرغ من الداخل. يوضع طرف الكمّاشة الأسفل بين البظر والغلفة وطرفها الأعلى فوق الغلفة، ويكبس بشدّة على الغلفة التي تقطع بمشرط جراحي على حافّة الطرف الأعلى حتّى يبين الطرف الأسفل للكمّاشة 49.

    وقد نشر الدكتور "ليو وولمان" عام 1973 مقالاً مدافعاً عن ختان الإناث كوسيلة لزيادة للذّة 50، وهو طبيب في مستشفى "إبن ميمون" في "بروكلين". وقد إعتمد خبير منظّمة الصحّة العالميّة الدكتور "روبيرت كوك" عام 1976 على كتابات "راثمان" و"وولمان" لكي يبرّر إهماله لهذا النوع من الختان باعتباره ختاناً مفيداً. ونشر الدكتور "بورت" عام 1975 كتاباً عنوانه "جراحة الحب" 51 يدّعي فيه أن السعادة الجنسيّة تتم ليس بتقريب البظر من الفرج، بل بتقريب الفرج من البظر بقطع العصب العصعصي وإجراء ختان غلفة البظر. وكان "بورت" جرّاحاً يخيط الفروج بعد شقّها عند الولادة 52.

    وقد نشرت المجلاّت الشعبيّة الأمريكيّة مقالات مؤيّدة لختان الإناث. ففي عام 1973، نشرت مجلّة Playgirl التي يقرأها ستّة ملايين شخص، مقالاً عنوانه : "ختان المرأة ألطف قطع على الإطلاق" 53. وبعد سنة ونصف من ذلك المقال نشرت مقالاً آخراً لنفس الكاتبة عنوانه "جراحة بمائة دولار لحياة جنسيّة تساوي مليون دولار" 54. وبعث طبيب برسالة للمجلّة شاكراً للمقال وقائلاً بأنه يجري تلك العمليّة وأن قرابة 15 إلى 20% من السيّدات قد تستفيد منها 55. كما نشرت مجلّة Cosmopolitan الواسعة الإنتشار عام 1976 مقالاً إعتبرت فيه أن ختان الإناث المتمثّل في بتر غلاف البظر هو إحدى وسائل زيادة اللذّة الجنسيّة عندهن وذلك بتقريب البظر من فتحة الفرج حتّى يلامس القضيب في العلاقة الجنسيّة. وهذه المجلّة تقول إن ختان الإناث قد يفيد 10% من النساء 56. وقد قدّر "فالرشتاين" في كتابه الذي صدر عام 1980 عدد عمليّات ختان الإناث التي تجرى سنوياً في المستشفيات الأمريكيّة بقصد زيادة اللذّة بين 2000 و3000 عمليّة. ويظن أن ما يجرى في عيادات الأطبّاء الخاصّة أكثر من ذلك بخمسين مرّة. وقد إنتقد هذه االعادة عدد من الكتّاب الأمريكيّين واعتبروا أن هذه الممارسة يجب أن لا تجرى بصورة روتينيّة بل فقط على بعض النساء اللواتي لا يصلن إلى الإرتواء الجنسي. وقد أعلنت إحدى شركات التأمين الأمريكيّة عام 1977 بأنها لن تدفع من الآن وصاعداً مثل تلك العمليّة 57.

    وتوجد على الانترنيت رسالتين من سيّدتين أمريكيتين أزال طبيب غلفة بظرهما لتقوية اللذّة الجنسيّة من خلال إبراز البظر. وتدّعيان بأنهما إستفادتا من هذه العمليّة. وتنصح إحدى السيّدتين أن تفكر جميع النساء في إزالة غلفتهن وأن تلجأ للطبيب عندما يكون عمرهن عشرين عاماً لفحص بظرهن. وتضيف أن ذلك يساعد على النظافة 58.

    وقد نشرت صحيفة Toronto Globe and Mail الكنديّة في 10 نوفمبر 1998 مقالاً عن طبيب يقوم منذ 12 سنة بقص الشفرين الصغيرين وغلفة البظر وتضييق فتحة الفرج لأسباب جماليّة ولزيادة اللذّة. وهو يجري هذه العمليّة على الأقل مرّة كل شهر. وتكلّف العمليّة ما بين 1500 و2500 دولار كندي. وتتم على مجموعتين من النساء : النساء الرياضيّات تتراوح أعمارهن بين 25 و35 سنة اللواتي يردن أن يكون مظهرهن مدخل لهن للعالم، ونساء يعانين من تشوّه خلقي قد يؤثّر على اللذّة الجنسيّة. فقد تكون الشفرة كبيرة فتنحبس خلال ولوج القضيب أو تغطّي البظر تماماً. ويذكر المقال قول طبيب آخر من "تورنتو" بأن عدداً من النساء يرغبن بشدّة في إجراء هذه العمليّة إلى درجة أنه من غير الممكن القول بأنه ذلك ليس لهن حق في إجرائها. كما يذكر شهادة سيّدة أمريكيّة أجرت عمليّة قص الشفرين لأنها كانت غير مرتاحة في العلاقة الجنسيّة وتشعر بألم عندما تركب الحصان أو الدرّاجة 59.
    كلا كلا عنصرية، كلا كلا احزاب مرتزقة بالدين كلا كلا طائفية

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي

    د) صعوبة التعرّف على علاقة ختان الإناث باللذّة

    يظهر من إستطلاع تم في دولة مالي وساحل العاج بأن عدد الباردات جنسيّاً بين المختونات ليس أعلى من عدد الباردات جنسيّاً بين غير المختونات. ويشير البحث بأن الجدل العام حول هذا الموضوع أوجد كبحاً عند بعض النساء المختونات اللواتي يتساءلن بعد قراءاتهن عمّا إذا كانت علاقاتهن الجنسيّة طبيعيّة أم لا 60.

    كما جاء في بحث لماري أسعد من أن مناقشة مع 135 ممرّضة في مصر أوضحت عدم وجود علاقة بين اللذّة الجنسيّة والختان. فقد ذكرت 90% منهن أنهن يتمتّعن بالجنس. ولكنّها أضافت بأن هذه الأرقام يجب أخذها بتحرّز بسبب حساسيّة الموضوع 61.

    وتقول الكاتبة الأمريكيّة "لايتفوت كلاين" إن 90% من النساء السودانيّات اللواتي قابلتهن أخبرنها بأنهن كن يصلن إلى الشبك الجنسي بصورة منتظمة أو في بعض الأحيان. وقد يكون ذلك مبالغ فيه ليظهرن بمظهر الزوجات الجيّدات. ولكنّها تضيف أنه لا يوجد عندها شك في أن الإرتواء الجنسي موجود حتّى عند النساء اللواتي قطعن بصورة قاسيّة 62.

    وتذكر الطبيبة السودانيّة "أسما الضرير" في دراستها حول 2375 إمرأة سودانيّة مختونة منهن 2006 مختونة فرعونيا بأن 50% من النساء لم يشعرن أبداً باللذّة الجنسيّة وأنهن يمارسن الجنس كواجب، وأن 23.3% منهن لا فرق عندهن، والباقيات إمّا أنهن يعتبرن العلاقة لذيذة بصورة عامّة أو في بعض الأحيان. وأشارت أن ما تبيّن لها خلال الإستجوابات حول ما إذا كن يتمتّعن باللذّة الجنسيّة أم لا هو أن ما يشعرن به لا أهمّية له وأن المهم هو إرضاء أزواجهن 63.

    هناك عدّة عوامل تفسّر صعوبة معرفة مدى تأثير ختان الإناث على الشهوة واللذّة الجنسيّة :

    - تجهل بعض النساء تعريف اللذّة والإرتواء. فهناك من تعيش في توتّر جنسي وتظن أن ذلك هو الإرتواء خاصّة إذا لم تختبره وليس لديها وسيلة للمقارنة. فالمرأة التي لم تحمل أبداً ساعة في حياتها لا تستطيع أن تتكلّم بصورة واضحة حول مدّة اللذّة. فهي لم تتعامل أبداً مع الثواني والدقائق. فإن قالت سيّدة إن اللذّة طالت دقيقتين أو ثلاثة. فهذا قد يعني أن اللذّة دامت وقتاً قصيراً 64.
    - بعض النساء المختونات تنكر عدم وصولها للذّة خوفاً من أن يطلّقها زوجها إذا ما إكتشف بأن غيرها أكثر لذّة منها، فتقنع بمصيرها 65.
    - تختلف النظرة إلى اللذّة حسب الشعوب والخلفيّات الثقافيّة. ففي المجتمعات حيث يتم ختان الإناث على الطريقة الفرعونيّة، يمكن إعتبار أن أكثر الرجال قد تكيّفوا مع فرج ضيّق لسيّدة تأخذ موقفاً سلبيّاً أو تتألّم. ولكن هذا الوضع سيختلف مع إنفتاح المجتمع واكتشاف أن ختان الإناث ليس منتشراً في كل العالم. وقد يؤدّي ذلك إلى وضع غير مريح. فبعض النساء التي إكتشفت وضعاً مخالفاً في بلاد أخرى بسبب قراءاتها قد يتحوّل رضاهن عن وضعهن إلى كآبة ويصبن بصدمة عصبيّة تتطلّب العلاج 66. ويرى البعض أن الجدل حول علاقة الختان باللذّة من نتاج الفكر الغربي ونظرته الخاصّة بالجنس. ممّا جعل البعض يرون فيه نوعاً من العنصريّة والإهانة وكثيراً من المبالغات 67.
    - تختلف اللذّة الجنسيّة من إمرأة إلى أخرى. فهناك من يصلن إلى الإرتواء الجنسي بمجرّد القُبلات، وبعضهن قد يصلن من خلال مداعبة الثدي، وبعضهن من خلال مداعبة البظر والشفرين، والبعض الآخر من خلال الإيلاج الشديد للقضيب في الفرج. ومن بتر لها عضو يمكنها أن تطوّر شعوراً باللذّة من خلال عضو بديل. فاللذّة الجنسيّة لا تكمن فقط في نطاق البظر. وعندما تسأل المرأة المختونة ما هو الجزء الأكثر حساسيّة عندها تقول البعض بأنه الثدي أو الرقبة أو البطن أو الفخذين، وقليلاً ما تشير إلى الأعضاء الجنسيّة بصورة عفويّة. ولا يعرف ما إذا كان هذا سببه التحفّظ في الكلام عن هذه الأعضاء أو تحوّل الحساسيّة من الأعضاء المبتورة إلى أعضاء أخرى 68.
    - تحيط باللذّة محرّمات تجعل من الصعب الإباحة بها بصورة مباشرة. فقد كانت الكاتبة الأمريكيّة "لايتفوت كلاين" تسأل مخاطباتها إذا كانت تطلب من زوجها إجراء العلاقة الجنسيّة معها. فأشارت عليها مترجمتها السودانيّة بأنها عليها أن تسأل بدلاً من ذلك ما إذا كانت المرأة تلجأ إلى التبخير. ففي السودان تقوم المرأة التي ترغب في العلاقة الجنسيّة بتبخير نفسها، فيفهم زوجها رغبتها عند شمّه رائحة البخور. ومن عادة النساء السودانيّات عدم إشعار الزوج بأنهن يتفاعلن مع العلاقة الجنسيّة، لأنه ينظر إلى ذلك نظرة سيّئة وقد يؤدّي إلى الطلاق 69.

    ويشار هنا إلى أنه يتم إعادة رتق الفرج بعد الولادة مع إبقاء فتحة صغيرة. والمرأة هي التي تطالب بإجراء هذه العمليّة لها رغم أن زوجها قد يفضّل أن تكون فتحة الفرج أكبر. وإن إعترض زوجها على ذلك، فإنها تذكّره بأن هذا أمر يخص النساء ولا يحق له التدخّل فيه. والهدف من تلك العمليّة هو منع الفرج من التهدّل. وهناك بعض النساء اللواتي يقمن بطلب خياطة فرجهن من جديد حتّى دون ولادة، معتبرة ذلك هديّة منهن لأزواجهن. فالزوجات المتهدّلات الفرج لا يشعرن باللذّة إذ ليس هناك أعضاء يحتك بها القضيب. ممّا يعني أن الهدف من العمليّة ليست فقط لصالح أزواجهن بل لصالحهن. وهذا ما يخلق التقوّلات : "عجوز تبحث عن لذّة جنسيّة". ممّا يدفع بعض النساء إلى التوقّف عن طلب خياطة فرجهن مكتفيات بدورهن كجدّات 70.

    وقد توصّلت دراسة نشرتها منظّمة الصحّة العالميّة إلى النتيجة التالية بعد إستعراضها للآراء المتناقضة : "جميع أنواع ختان الإناث تؤثّر إلى درجة ما على التجاوب الجنسي للنساء، ولكنّها لا تلغي بالضرورة إمكانيّة حصول اللذّة والإرتواء [...]. فبعض الأنسجة الحسّاسة وجذر البظر مدفونة في عمق العانة ولا تُزال عند بتر الأعضاء الظاهرة. وحتّى النساء المختونات على الطريقة الفرعونيّة يحتفظن بأجزاء سليمة من الأنسجة الحسّاسة من البظر والشفرين. وبعض الدراسات تبيّن أنه بالإضافة إلى الأعضاء التناسليّة الخارجيّة، هناك أعضاء أخرى مهيّجة في جسم الإنسان قد تصبح أكثر إحساساً في حالة ختان الإناث، خاصّة عندما تتم التجربة الجنسيّة بصورة جيّدة مع شريك حريص على مشاعر شريكته. كما أن المكوّنات النفسيّة والدماغيّة للتجربة الجنسيّة تتأثّر بعوامل شتّى لا يمكن دائماً التنبؤ بها. وهناك حاجة إلى دراسات أكثر دقّة قَبل إلقاء الضوء على الآثار الجنسيّة لبتر الأعضاء التناسليّة عند الإناث" 71.

    هـ) رضى الرجال عن ختان الإناث

    تختلف نظرة الرجال إلى الأعضاء الجنسيّة الأنثويّة حسب إعتقاداتهم. فمؤيّدو الختان "السُنّي" يرون فيه وسيلة للوصول إلى لذّة الرجل. وقد ذكرنا أن الشيخ محمود شلتوت يرى في إزالة "الزوائد" مَكرُمَة للمرأة والرجل. ويتساءل الدكتور حامد الغوّابي "كيف لرجل أن يختلط بزوجة وهي لها عضو كعضوه ينتصب كانتصابه. أليس ذلك أدعى إلى إستئصال جزء من هذا العضو كما جاء في حديث رسول الله (ص)؟" 72.

    هذا وقد إعتبر الشيخ النفزاوي (توفّى عام 1324) ضيق الفرج وسيلة لزيادة لذّة الرجل. وللوصول إلى ذلك ينصح بما يلي : "ولتضييقه، تحل الشب في الماء وتستنجى به مع ماء السواك فإنه يضيق. ولرد الرحم البارز : يطبخ الخرّوب طبخاً ناعماً بعد إزالة نوائه وقشور الرمان بالماء، وتجلس المرأة عليه دائماً بقدر الإحتمال. فإذا برد تسخّنه وتعيد الجلوس عليه. تفعل ذلك مراراً وتبخّر بروث البقر، فإنه يرجع إن شاء الله تعالى" 73. وتضييق الفرج لإعادته إلى شكله الطبيعي إذا ما تم شق العجّان عند الولادة أمر معروف في الغرب والقصد منه هو أيضاً زيادة لذّة الرجل والمرأة 74.

    وفي كلمتها أمام مؤتمر أديس أبابا لعام 1987 ذكرت ممثّلة الصومال أن هناك إعتقاد في بلدها أن الرجال لا يتزوّجون البنت إلاّ إذا كانت مشبوكة الفرج. وهذا الرأي ناتج من فكرة أن الرجل يجني لذّة أكبر إذا كانت فتحة فرج المرأة ضيّقة من خلال عمليّة الختان. ولكنّها تقول بأن الأشكال المختلفة لختان الإناث تزيد من ألم المرأة وتنقص من اللذّة الجنسيّة. وقد يؤدّي ذلك إلى إحساس بعدم القدرة عند الرجل 75.

    ويذكر كتاب الممارسات التقليديّة أن "البحوث التي أجريت في السودان على300 زوج سوداني لكل واحد منهم أكثر من زوجة بعضهن مختتنات وبعضهن غير مختتنات. فأجاب 266 منهم بأنهم يفضّلون العلاقة الجنسيّة مع الزوجة غير المختتنة" 76.

    وتقول كاتبة إفريقيّة أن أحد حجج مؤيّدي ختان الإناث هو الإعتقاد بأنه يحسّن القوّة الجنسيّة للذكور لأن البظر يتهيّج مثل القضيب ويؤدّي إلى سرعة القذف. وفي كثير من الجماعات الذكوريّة، يعتبر إنهاء العلاقة الجنسيّة بسرعة إهانة تؤدّي إلى خصومات في العلاقة الزوجيّة. فالرجل يعتقد بأنه هو الذي عليه أن يتحكّم بالعلاقة الجنسيّة للمدّة التي يرغب فيها. ولذلك فإن ختان الإناث يساعد في عدم تدخّل المرأة في تلك المُهمّة 77.

    وإن كان البعض يرون في بتر الأعضاء الجنسيّة للأنثى وتضييق الفرج زيادة في اللذّة، فإن آخرين يرون العكس. فبعض القبائل تلجأ إلى شد البظر والشفرين حتّى تطولان، كما أنها توسّع فتحة الفرج. والرجال في تلك القبائل يقدّرون هذه الظاهرة ويبحثون عن النساء التي أجريت لهن هذه العمليّة 78.

    هناك إذاً تضارب في الآراء حول علاقة ختان الإناث بلذّة الرجل. ولكن يجب الإشارة إلى أن الختان الفرعوني قد يؤدّي إلى علاقة جنسيّة مؤلمة جدّاً في بادئ الأمر لكل من الرجل والمرأة. ولا يمكن تصوّر حدوث لذّة في هذه العلاقة إلاّ إذا إعتبرنا أن الرجل والمرأة مصابان بمرض السادومازوشيّة. وهي حالة مرضيّة معروفة سوف نعود إليها في الجدل الإجتماعي. ففتح المرأة المختونة فرعونياً بقضيب الرجل قد يأخذ من أسبوع إلى عدّة أشهر. وقد يلجأ الزوج إلى شق فرج المرأة بسكّين، أو قد يطلب مساعدة الداية في فتح الزوجة مقابل مبلغ من المال على أن لا تبوح بالسر. وفي بعض الأحيان يحدث قناة جانبيّة يمارس الجنس من خلالها دون علم أن ذلك ليس الفرج. وقد كسر طبيب ثلاث شفرات جراحيّة دون أن يتمكّن من شق فرج المرأة، ثم نجح في مهمّته بمقص قوي. والزوج الذي لا يتمكّن من فتح فرج زوجته يمارس اللواط معها ممّا يؤدّي إلى تشقّق في الشرج 79. ونشير هنا إلى أن فرج المرأة بعد الولادة يتم تخييطه من جديد ممّا يعني مواجهة مشكلة فتح المرأة من جديد بعد مرور أربعين يوماً من الولادة. وخياطة الفرج بعد الولادة بدعة جديدة ظهرت في المدن السودانيّة منذ 50 سنة 80.

    وتذكر "لايتفوت كلاين" كيف أنها سمعت في الفندق الذي تنام فيه صراخاً وعويلاً شديدين وكأنه نتيجة تعذيب. وعندما سألت صاحب الفندق ماذا جرى وإن كان ممكناً التدخّل للحد من هذا الصراخ والعويل، أجابها بأنه فندق لقضاء شهر العسل ولا يمكن فعل أي شيء. وعندها فهمت لماذا يتواجد فندق شهر العسل قرب المستشفى. وعندما تتم ليلة الدخلة في البيت، فإن الزوجين يدخلان إلى غرفة بينما ينتظر الضيوف خروج الزوجين وقد إنتهيا من مهمّتهما وهم يسمعون صراخهما وعويلهما. وبعد الإنتهاء من المُهمّة يخرج الزوج ومعه زوجته إلى المستشفى لعلاجها وعلاج نفسه بسبب تجرّح قضيبه. وبعض الرجال يلجأون إلى السكر الشديد حتّى لا يحسّوا بالألم الذي يعانون منه وتعاني منه زوجاتهم ليلة الدخلة 81.

    3) الختان وتعاطي المخدّرات

    هناك جدل حول علاقة ختان الذكور والإناث بتعاطي المخدّرات. ولكن ما زالت تنقصنا الدراسات الجدّية في هذا المجال، ربّما لحساسيّة الموضوع. ولتشجيع الباحثين، نقدّم هنا عرضاً للآراء التي عثرنا عليها.

    أ) ختان الذكور وتعاطي المخدّرات

    كتب القليل عن علاقة ختان الذكور بتعاطي المخدّرات. يقول "جولدمان"، وهو معارض لختان الذكور، أنه إذا ما عرف الذكور المختونون أن الغلفة هي جزء من أعضائهم، فإنهم سوف ينظرون لأنفسهم نظرة سلبيّة ممّا يحط من تقديرهم لأنفسهم، خاصّة أن العلاقة الجنسيّة لها صلة قويّة بتقدير الذات. وإذا قَبلنا بأن الختان ينقص اللذّة الجنسيّة، فيجب أن نعتبر أن الختان ينقص تقدير الذات. وهذا له أثر شخصي واجتماعي. فالذي لا يقدّر نفسه لا يقدّر الآخرين. ويؤدّي ذلك إلى الإنعزاليّة، والإحباط واستعمال المخدّرات 82.

    وقد نشرنا في المحلق 24 نصّاً للشيخ محمود محمّد خضر يقول عكس ذلك. فهو يرى أن عدم الختان يؤدّي إلى شدّة الهيجان الجنسي أو سرعته ومن ثم إلى سرعة القذف التي تعتبر من أخطر أمراض العصر. وغالباً ما يلجأ الرجل إلى المخدّرات لتبريد هذا الهيجان وإطالة أمد العمليّة الجنسيّة، وبعض الناس يستعين بالغطاء الذكري لإطالة العمليّة ولو لم يكن بحاجة إليه لمنع الحمل من الجماع 83.

    ب) ختان الإناث وتعاطي المخدّرات

    تشير كتابات مصريّة كثيرة إلى علاقة تعاطي المخدّرات بختان الإناث. فقد كتب أحمد أمين : "في هذه الأيّام من حياتي، أعني في سنة 1950 وما بعدها، نادى بعض الناس بقصر الختان على الذكور دون الإناث، وحجّتهم في ذلك أن ختان البنات قد سبّب إنتشار عادة تعاطي الحشيش والمنزول والأفيون ونحو ذلك0 وذلك بسبب أن البنت إذا إختتنت ثم كبرت فختانها يقلّل من لذّتها الجنسيّة، فيضطر الرجل إلى إستعمال المخدّرات التي ذكرناها لغيابه عند مضاجعتها. فنادوا بعدم ختانها حتّى لا يضطر الرجل إلى مثل هذه المخدّرات ؛ ولم تلقى هذه الدعوة في أوّل أمرها كثيراً من الإهتمام" 84.

    ويقول الدكتور محمّد سعيد الحديدي : "إن المخدّرات والمغيّبات بكافّة أنواعها قد إنتشرت في بلادنا إنتشاراً مخيفاً قد تعدّى كل الإحصائيّات في أي بلد آخر [...] رغم العقوبات الشديدة والقوانين الصارمة التي يؤخذ بها كل من يتجرأ ويتعاطى هذه المخدّرات. ما السر في هذا يا حضرات السادة. لو إهتدينا لهذا السر لوفّرنا على أنفسنا وعلى أمّتنا المال الكثير الذي يبذل لمكافحة هذه الأشياء ولجنينا فوائد أعظم. فكم من أشخاص زجّوا في السجون وكم ضحّوا بأموالهم وعقولهم وأسرهم لتعاطي هذه السموم. ما السر في ذلك إذاً ؟

    إني أسلّم معكم بأن كثيراً ممّن يتعاطون هذه المواد المخدّرة يتعاطونها لنقص في إدراكهم وتكوينهم العقلي. ولكن ما رأيكم فيمن يتعاطون هذه المواد من أناس يشهد لهم نجاحهم في حياتهم العمليّة والعلميّة والأدبيّة والمادّية بقسط أوفر من رجحان العقل بل النبوغ ؟ الجواب بسيط. وهو الرغبة في تخدير الحساسيّة لدى هؤلاء الرجال ليحصل التكافؤ بينهم وبين من يلامسون من نساء مختتنات" 85.

    ويقول الدكتور رشدي عمّار : "في 62 حالة كان الأزواج يتعاطون المخدّرات أو المشروبات الكحوليّة للمساعدة على الإتّصال الجنسي ولإطالة مدّة العمليّة الجنسيّة رغبة في إشباع الأزواج والزوجات. وبسؤالهن عن النتائج كانت الإجابة أنه أفاد في بعض الحالات وأنه يأتي بنتيجة عكسيّة في حالات أخرى. ونحن جميعاً نعلم أن من أسباب إدمان بعض الرجال على المخدّرات أو المشروبات الكحوليّة هو الرغبة في إشباع الزوجات بإطالة العمليّة الجنسيّة نظراً لزيادة نسبة البرود الجنسي كنتيجة للطهارة" 86.

    ويلاحظ علاقة بين ختان الإناث وآفة ورق "القات" التي تعاني منها اليمن. فعندما حاولت السلطات البريطانيّة منع إستعمال "القات" في إبريل 1957 في مستعمرة عدن كادت تندلع ثورة شعبيّة. فقد إعتبر اليمنيون ذلك المنع إنتهاكاً لحق من حقوقهم الأساسيّة. وقد إستنكرت النساء هذا المنع لأن ذلك يؤثّر على حياتهن الزوجيّة. وقد أجبرت السلطات البريطانيّة إلغاء قرارها في 24 يونيو 1958 87.

    وقد رد مؤيّدو ختان الإناث على هذا الإتّهام معتبرين أن عدم ختان الإناث هو الذي يؤدّي إلى الإدمان على المخدّرات وليس العكس. فهم يرون أن المرأة إذا لم تختن تبقى شديدة الميل جنسيّاً مع تقدّم العمر على العكس من الرجل الذي يفتر. وحتّى يستطيع مضاهاتها، فإنه سوف يلجأ إلى إستعمال المخدّرات. لكن "في الحالة التي تختتن فيها المرأة نصف إختتان، يكون إحساسها معقولاً، والزوج والزوجة في حالة متساوية" 88.

    ويقول مجدي فتحي السيّد متسائلاً : "ألم تختن النساء على ممر القرون الطوال، فلم يحدث أي تعكير للرجال، ولم يصدر في يوم من الأيّام أيّة علاقة تربط بين ختان النساء والمخدّرات". ويضيف : "كيف بعد دعوة الرسول (ص) إلى ختان النساء يقول لنا هؤلاء بأنه سبب رواج المخدّرات ؟! ولكن إذا لم تستح فقل ما شئت، وأصنع ما شئت". ولكن صاحبنا بعد أن إستنكر الختان كما يجرى في السودان وأعتبره حراماً في دين الله وعملاً جاهليّاً، قال إن عواقبه وخيمة ويحرم الرجل والمرأة من اللذّة ويؤدّي أحياناً لشرب المسكرات والمخدّرات من جانب الرجال 89.

    4) الختان والشذوذ الجنسي

    أ) تعريف الشذوذ الجنسي

    الشذوذ الجنسي يعني ميل الرجل للعلاقة الجنسيّة مع رجل آخر، وميل المرأة للعلاقة الجنسيّة مع إمرأة أخرى. وممارسة الشذوذ الجنسي يمكن أن يكون بموافقة الطرفين أو مفروضاً من طرف على الآخر. وفي العلاقة بين رجلين هناك الداخل والمدخول، وقد يكون هناك تبادل للأدوار. ويمكن التفريق بين نوعين من الشذوذ الجنسي :

    - الشذوذ الجنسي العضوي : إذا ما زادت هرمونات الأنوثة على هرمونات الذكورة عند الرجل، فإن هذا الرجل سيجد نفسه أكثر ميلاً للرجال. وإذا ما زادت هرمونات الذكورة على هرمونات الأنوثة عند المرأة، فإن هذه المرأة ستجد نفسها أكثر ميلاً للنساء.
    - الشذوذ الجنسي الوضعي : هذا الشذوذ ناتج ليس عن تكوين عضوي، بل بسبب أوضاع خاصّة. فمثلاً إذا سجن رجال في غرفة واحدة لمدّة طويلة ولم يكن هناك منفذ للوصول إلى المرأة، فإن هؤلاء الرجال قد يلجأون إلى العلاقة الجنسيّة بينهم لسد حاجتهم. ونفس الأمر إذا ما حبست نساء في غرفة واحدة دون منفذ إلى الرجل، فإن هذه النساء قد يلجأن إلى العلاقة الجنسيّة بينهن.

    والذي يهمّنا هنا هو الشذوذ الوضعي لمعرفة ما إذا كان الختان يجر الرجل أو المرأة إلى ممارسة علاقة جنسيّة شاذّة.

    ب) ختان الذكور والشذوذ الجنسي

    ليس هناك دراسة شاملة حول علاقة ختان الذكور بالشذوذ الجنسي بسبب حساسيّة الموضوع. وسوف نشير هنا إلى ما وجدناه في هذا المجال ضمن الكتابات العامّة.

    يشار أوّلاً أن الغرب قد لجأ إلى الختان لمكافحة العادة السرّية التي تقود، في نظر مؤيّديه، إلى الشذوذ الجنسي 90.

    وقد نشرت مجلّة "نيويورك تايمز" في 2 أكتوبر لعام 1977 أن وكالة المخابرات الأمريكيّة أجرت الختان عام 1961 على 15 طفل بين عمر 5 و7 سنين من عائلات فقيرة لمعرفة ما إذا كان للختان صلة بالخوف من الخصي وما إذا كان هذا الأخير له علاقة بالشذوذ الجنسي. وقد دمّرت هذه الوكالة نتائج بحثها ولم تنكر هذا الحدث 91.

    وتقول "رومبيرغ" بأن أكثر الشاذّين جنسيّاً في الولايات المتّحدة هم من المختونين، وأن هؤلاء الشاذّين يفضّلون العلاقة الجنسيّة الشاذّة مع رجال مختونين. فمنشوراتهم تظهر دائماً صوراً لعراة مختونين رغم أنه بإمكانهم الحصول على صور لغير مختونين من خارج الولايات المتّحدة. وتذكر دراسة للدكتور "فولي" تبيّن أن 32% من المقبولين في مستشفى تابع للبحرّية الأمريكيّة كانوا مختونين، وأن 100% من الذين يعلنون عن أنفسهم شاذّين جنسيّاً بصورة صريحة كانوا مختونين. وتضيف المؤلّفة أن الشذوذ الجنسي موجود أيضاً في أوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم حيث لا يمارس الختان بصورة واسعة مثل الولايات المتّحدة. وهذا يعني أن الختان ليس العامل الوحيد للشذوذ الجنسي. ورغم هذا التحفّظ، فإن هذه المؤلّفة تعطي تفسيرين للشذوذ الجنسي عند المختونين :

    - الختان قد يورث الخوف من الخصي عندهم. فبعد ختان شخص، أصبح هذا غير قادر على العلاقة الجنسيّة مع النساء. وكلّما حاول دخول إمرأة، أحس بألم كبير. وفي هذه الحالة، أدّى الختان إلى مضاعفات نفسيّة قادته فعلاً إلى الشذوذ الجنسي.
    - الإحساس الجنسي عند الطفل يبدأ منذ الساعات الأولى من ولادته. فالطفل يتحسّس جسده بيديه في الدقائق الأولى من حياته. ومنهم من يعتاد على لمس أعضائه الجنسيّة، ومنهم من يلمس فمه ومنهم من يلمس أذنيه، متحسّساً الأعضاء التي يشعر أنها أكثر عذوبة له. وإذا ما إعتبرنا أن الطفل الأمريكي يبتر في الأيّام الأولى من ولادته، فماذا يمكن أن تكون ردّة فعله إذا إكتشف أن أعضاءه الجنسيّة تسبّب له ألماً، لا لذّة؟ 92

    ويقول "جولدمان" أن الشذوذ الجنسي عند الرجل هو بسبب عدم الرضى من العلاقة الجنسيّة مع المرأة. وقد يكون سبب عدم الرضى شعور الرجل بالخجل أو ضعف في تقدير الذات، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في التفاعل في مرحلة الإعداد للعلاقة الجنسيّة أو إلى عجز جنسي. وهذا بدوره يؤدّي إلى بحث للذّة إمّا من خلال علاقة مع إمرأة غير زوجته أو في علاقة شاذّة 93. ويضيف هذا المؤلّف أن الختان يفقد الحشفة غلافها وحساسيّتها ويجعلها جافّة وخشنة ويحرمها من المادّة المرطّبة التي تساعد على إيلاج القضيب في الرحم. وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل ظاهرة ممارسة الجنس بالفم للحصول على اللذّة الجنسيّة أكثر إنتشاراً في الولايات المتّحدة ممّا في الدول الأخرى 94.

    وتشير دراسة أن بقاء الغلفة ضروري للتصرّف الجنسي الطبيعي. فقد تبيّن أن حذفها عند الثدييات وعند الإنسان يؤدّي إلى تشويش في العلاقة الجنسيّة نتيجة تلف الخلايا الناقلة للحس واللذّة. وقد نشبّه ذلك بقطع بعض أسلاك الراديو الداخليّة ممّا يؤدّي إلى تشويش في إستلام المحطّات الإذاعيّة. وهذا ما جعل البعض يربط بين الختان والعادة السرّية والعلاقة الجنسيّة الشاذّة ومص القضيب. فبالختان يحاول الإنسان (والحيوان) التعويض عمّا خسره من خلايا ولذّة بالبحث عن اللذّة خارج مجراها الطبيعي 95.

    ونحن نقدّم تفسيراً للعلاقة بين الختان والشذوذ الجنسي. فالختان قد يخلق وضعاً عند الرجل يشبه وضع السجين. فبالختان يتم قطع جزء من جلد القضيب. وإذا كان القطع كبيراً، فإن جلد القضيب لن يكون كافياً لتغطيته عند إنتصابه، فيحدث شد على الجلد الذي يغطّي الخصيتين. وقد يؤدّي الختان إلى تشويه في القضيب. وهذا يعني تعطيل الوظيفة الطبيعيّة للقضيب، ممّا قد ينتج عنه فقدان اللذّة في العلاقة الجنسيّة مع إمرأة. وهنا يصبح الرجل سجين وضع غير مريح قد يجرّه إلى البحث عن اللذّة بوسائل أخرى، وذلك بأن يسمح لرجل أن يدخله. وقد إستلمت عدّة رسائل من شاب سويسري يقول فيها بأن ختانه قد أدّى به إلى الشذوذ الجنسي، إذ إن العلاقة الجنسيّة مع النساء لم تعد لها أيّة لذّة في عينيه.

    هذا ويستبعد طبيب النفس "فافاتزا" أن يؤدّي الختان إلى شذوذ جنسي. فهذه النظريّة تنبع حسب رأيه من تجارب بين أوساط الشاذّين الذين يعطون فقدان غلفتهم أهمّية كبرى تصل إلى التعصّب فيحاولون شدّها 96. ويرد "بيجلو" بأنه إن كان هناك بعض الشاذّين بين الذين يلجأون لشد غلفتهم، إلاّ أن هذا لا ينطبق على جميعهم، فهناك أيضاً نساء تطلب معلومات عن سبل إسترجاع غلفة أزواجهن 97.

    ويعتبر "بويد" القول بأن الختان قد يؤدّي إلى الشذوذ الجنسي هو نوع من العنصريّة 98. وهذا المؤلّف معادي لختان الذكور. ويشير إلى أن معاداة ختان الذكور يتواجد بصورة أكبر بين الشاذّين بين الرجال ممّا بين غير الشاذّين. ويرجع السبب في ذلك أنهم إستطاعوا أن يقارنوا بين أعضائهم المبتورة وأعضاء شريكهم في العلاقة الجنسيّة، فيكتشفون الضرر الذي لحق بهم ويعون لما جرى بهم. بينما الرجال العاديين الذين يكتفون بعلاقة مع النساء فلا وسيلة لهم للمقارنة 99.

    ج) ختان الإناث والشذوذ الجنسي

    ليس هناك كتابات حول علاقة ختان الإناث بالشذوذ الجنسي. وعلى العكس هناك بعض التلميحات إلى أن عدم ختان الإناث قد يؤدّي إلى الشذوذ الجنسي عندهن.

    سنرى لاحقاً أن الغرب لجأ لختان الإناث للحد من العادة السرّية التي تقود إلى الشذوذ الجنسي في نظره. وفي عام 1975، نشر الطبيب الأمريكي "جيمس بورت" كتاباً عنوانه "جراحة الحب" تأييداً لختان الإناث. وقد علّل تأييده لهذه العمليّة بأنها تحد من الشذوذ الجنسي عند النساء 100.

    وتشير مقابلات مع بعض نساء مصريّات أنهن يعتقدن بأن عدم ختانهن يؤدّي بهن إلى العلاقة الجنسيّة الشاذّة والجري وراء الجنس 101. ونجد هذا الفكر في كتاب "المنتخب من السُنّة" الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلاميّة في مصر. ففي هذا الكتاب تعليق على الحديث الذي رواه الحجّاج بن أرطأة "الختان سُنّة في الرجال، مَكرُمَة في النساء" : "مهما قيل في هذا الحديث، فإنه يجب الأخذ به بالنسبة لختان الإناث. فقد دلّت الحوادث على أن ترك ختانهن يؤدّي بهن إلى أخطر العادات، حيث تشيع فيهن عادة السحاق. وقد ثبت من الإحصائيّات أنه لا وجود لهذه العادة إلاّ في البلاد التي لا تختتن فيها الإناث" 102. ولم يذكر لنا هذا الكتاب أي مصدر لهذه الإحصائيّات للتحقّق منها.

    وهذا القول يعني أن المرأة ستشعر أن عندها قضيب صغير، فتمارس دوراً شبيهاً بدور الذكر مع المرأة وتعاشر المرأة مثلها. ويرد الدكتور محمّد رمضان على هذا القول : "الواقع يكذّب هذا، والشذوذ الجنسي هذا، هو إنحراف في النفس والسلوك، وليس مرتبطاً بأي عضو من الأعضاء سواء كان العضو صغيراً أم كبيراً. ألا نرى أن عضو الرجل كبير وأنه وسيلته الأساسيّة في المعاشرة ؟! فهل وجوده بهذا الحجم أدّى إلى إنحرافه وممارسته الشذوذ ؟ وكأنهم بهذا يلقون الذنب والخطأ على هذا العضو!! وهل العلاج أن تكون الوقاية قطع هذا العضو لكل النساء، وتقصيره لكل الرجال مثلاً ؟! إن هذا لا يقرّه شرع أو دين، بل لم يرد أن الرجل إذا مارس الشذوذ الجنسي، قمنا بقطع عضوه حتّى لا يعود إلى ذلك" 103.

    5) تأثير الختان على الزواج

    العلاقة الزوجيّة مبنيّة على التفاهم وتلبية المصالح بين الزوجين، ومن بينها اللذّة الجنسيّة. وإذا ما أصاب العلاقة الجنسيّة ضرر، فإن ذلك ينعكس سلبيّاً على الحياة الزوجيّة. وهذا ما جعل البعض يرى أن الختان، خاصّة ختان الإناث، يؤدّي إلى الطلاق وتعدّد الزوجات.

    أ) تأثير ختان الذكور على الزواج

    يرى باحث أمريكي أن ختان الذكور سبباً لتعدّد الزوجات وعلاقات جنسيّة خارج الرابطة الزوجيّة بحثاً عن اللذّة المفقودة. كما أنه قد يؤدّي إلى تفكّك العلاقة الزوجيّة والى الطلاق.

    ففد بيّنت دراسة أجريت على 4500 إمرأة أن 80% منهن غير راضيات عن علاقتهن بأزواجهن، وأن 90% من النساء اللواتي طلّقن بناء على طلبهن كان سبب ذلك الوحدة وفقدان المشاعر داخل الزواج، وأنهن كن يتمنّين لو أن زوجهن أكثر كلاماً معهن وأكثر إنفعالاً شعوريّاً. ويظهر ضعف الإنفعال الشعوري بدرجة أكبر عند الرجال من النساء. وسبب ذلك أن الذكور يلقون حناناً أقل من الإناث في صغرهم في الحياة العائليّة. وأحد مؤثّرات إنخفاض الإنفعال الشعوري هو حدوث صدمة. وكلّما كانت الصدمة في عمر أصغر، كلّما كان أثرها أكبر على صحّته النفسيّة. وهنا نرى دور ختان الذكور كصدمة تؤدّي إلى خلق مشاكل داخل الحياة الزوجيّة وتؤدّي إلى الطلاق. وقد بين البعض أن هناك علاقة بين نسبة الختان ونسبة الطلاق في الولايات المتّحدة، كما هناك علاقة بين إرتفاع نسبة الختان وارتفاع عدد غير المتزوّجين 104.

    هذا وقد بيّنت دراسة بأن الشراكة الجنسيّة بين المرأة وغير المختونين تدوم مدّة أطول من الشراكة مع المختونين بسبب الإلفة التي يحس بها الشريكين في العلاقة الجنسيّة. وهذا يبيّن صدق مقولة إبن ميمون بأن المرأة التي تمارس الجنس مع غير المختون يصعب فصلها عنه 105.

    وقد تنبّه مؤيّدو ختان الذكور لهذه النظريّة فحاولوا إثبات العكس. فقد ذكرت دراسة نشرت عام 1998 أن الختان مثل بتر أي جزء من الإنسان يؤثّر على الخلايا العصبيّة في المخ، خاصّة إذا تم ذلك البتر في سن مبكّرة. وهذا بدوره يؤثّر على التصرّف الجنسي للفرد، فلا يلغي الرغبة في الجنس ولكن يخفّفها. ونفس الأثر ينتج عن تخشّن الحشفة. فيكون الختان نوعاً من الخصي العصبي الضعيف. وتستشهد هذه الدراسة بقول إبن ميمون السابق الذكر في هذا المجال 106. ولكن هذه الدراسة ترى في ختان الذكور فائدة تساعد في بقاء الجماعة اليهوديّة :

    1- إضعاف الشهوة الجنسيّة يقلّل من عنف الشباب وتنافسهم على النساء ممّا يمثّل خطراً على بقاء الجماعة.
    2- إضعاف الشهوة الجنسيّة تجعل الرجل في مستوى المرأة التي هي أقل إندفاعاً من الرجل في العلاقة الجنسيّة.
    3- هذا التساوي يساعد في الحفاظ على متانة الزواج ويقلّل من حالات الخيانة الزوجيّة 107.

    وتطرح هذه الدراسة السؤال لماذا إذاً لا تمارس كل الجماعات البشريّة الختان إذا كان في الختان فائدة جماعيّة ؟ وتجيب بأن بعض الجماعات البشريّة تتّبع نظاماً بديلاً للختان لتهدئة الشباب، وهو إختلاط الذكور والإناث، بالإضافة إلى أن مناطق الشمال الباردة أقل إندفاعاً للجنس 108.

    وهذه الدراسة قد تأثّرت في النقطتين الثانية والثالثة بالفكر الإسلامي الذي ذَكَرْته في مقال لي وضع في مراجع تلك الدراسة 109. فقد عَرَضْت في ذلك المقال ما سنراه في النقطة السابقة بأن المسلمين يرون أن ختان الإناث يضعف الغريزة الجنسيّة عند النساء ويساوي بينها وبين غريزة الرجل. وهذه الدراسة قامت فقط بقلب تلك النظريّة لصالح ختان الذكور.

    ب) تأثير ختان الإناث على الزواج

    يرى عامّة مؤيّدو ختان الإناث، أن الغاية منه منع إنحراف البنت وتهذيب ميولها الجنسيّة. ويعتقدون أن الختان يؤثّر أيضاً إيجابيّاً على العلاقة الزوجيّة. يقول الدكتور حامد الغوّابي : "إن الرجل دائماً هو أكبر من زوجته في السن. وقد يكون الفارق بينهما عشر سنين أو خمس عشرة أو عشرين سنة أو أكثر كما نرى في بلادنا. فما بال هذا الرجل إذا بلغ سن الخمسين أو أكثر، وقد فتر نشاطه وضعفت حيويّته، وكانت زوجته لا تزال في سن الثلاثين أو أقل بأعضائها السليمة الحسّاسة ؟! كيف لمثل هذا الرجل أن يحتفظ بصحّته وهو يجد أمامه زوجة لا تزال في عنفوان الشباب، قويّة الإحساس، وهو قد فتر إحساسه، شديدة الميل وهو قد قل ميله. فماذا تكون النتيجة ؟ هنا يضطر الرجل إلى تناول المكيّفات كالحشيش، ولكن في الحالة الأولى التي تختتن فيها المرأة نصف إختتان، يكون إحساسها معقولاً، والزوج والزوجة في حالة متساوية" 110.

    ولكن يرى المعارضون أن العكس هو الذي يحدث. يقول الدكتور ماهر مهران : "إن نسبة الضعف في التجاوب في التي أجريت لهن عمليّة الختان تصل إلى 54%. ويرجع هذا إلى إستئصال المناطق الحسّاسة اللازمة للتفاعل الجنسي. وممّا لا شك فيه أن عدم تجاوب المرأة في اللقاء الجنسي يؤدّي إلى مشاكل عديدة أوّلها عدم تواصل التعاون الجنسي بين الزوج والزوجة، ممّا يؤدّي إلى إحتقان مزمن في الحوض والألم وإفرازات مهبليّة بجانب التوتّر العصبي والنفسي. وقد أدّى ذلك في كثير من الحالات إلى مشاكل أسريّة عنيفة قد تنتهي بالطلاق. كما أن ذلك سبب من الأسباب الهامّة التي أدّت إلى إنتشار المخدّرات بين الأزواج متصوّرين أن في ذلك حلاً للمشكلة"

    ويضيف : "لا شك أن المشاكل الجنسيّة والنفسيّة الناتجة عن طهارة الإناث تنعكس على الزوج. وقد وجد أن 10% من الأزواج يشكون من ضعف أو قذف سريع كما أن 18% من الأزواج يستعملون المخدّرات ولا سيما الحشيش تدخيناً، كما أن 3% من الأزواج متزوّجون من زوجة أخرى حلاً للمشاكل الجنسيّة والأسريّة" 111.

    وتقول الدكتورة سهام عبد السلام أنه في حالة الإحباط الجنسي المتكرّر قد يحدث إكتئاب لدى بعض السيّدات، أو قد يدفع ببعضهن للعصبيّة وإثارة النكد بلا مبرّر. وقد تنحرف من لم تحظ بتنشئة إجتماعيّة قويمة وتبحث عن أكثر من شريك لمحاولة الوصول إلى الإشباع الجنسي الذي ينقصها 112.

    وتقول طبيبة من "سيراليون" أن ختان الإناث يؤدّي إلى مشاكل زوجيّة، خاصّة في المجتمعات التي تمارس تعدّد الزوجات. فالختان يضعف التجاوب الجنسي مع ما يصاحبه من إضطرابات عقليّة. وهذا يصل إلى فقدان الرغبة في الحياة عندما ترى أن زوجها يتركها عاطفياً ليذهب إلى أخرى لعدم تجاوبها معه جنسيّاً 113. وتشير هذه الطبيبة أنها قامت بمقابلات مع 50 سيّدة مارست الجنس قَبل ختانها. وقد تبيّن بأن لا أحد منهن قد وصلت بعد الختان إلى مستوى اللذّة التي كانت تشعر به قَبل الختان. ولم تكن هذه السيّدات تعي أن سبب ذلك هو الختان. وقد حاولت بعضهن البحث عن الزوج المثالي متنقّلة من رجل إلى آخر ممّا أدّى إلى فقدان زوجها وخراب بيتها. وهكذا بدلاً من أن يكون ختان الإناث وسيلة لمنع العلاقة الجنسيّة خارج الزواج، أدّى ذلك الختان إلى نتيجة عكسيّة تماماً 114.

    هذا وقد ذكرنا أن الختان الفرعوني كما في السودان يخلق صعوبة لفتح فرج المرأة. والرجل الذي لا يتمكّن من فتح فرج زوجته في ليلة الزواج قد يصاب بشعور بعدم القدرة الجنسيّة. وهناك حالات إنتحار نتيجة لهذا. ويقدّر أن 20% من السودانيين الذين تزوّجوا إمرأة ثانية كان سببه عدم تحمّلهم فتح زوجتهم التي يخاط فرجها بعد كل ولادة بصورة أضيق 115. والمشكلة في هذا البلد هي أنه إذا وجد الرجل إمرأته غير مختونة، فإنه يفرض عليها الختان. وإذا إستطاع فتحها بسهولة، ظن أنها ليست بكراً فيقوم بتطليقها 116. وهناك إعتقاد بأنه إذا لم تكن المرأة مختونة، فإن زوجها سوف يسارع إلى إتّخاذ زوجة أخرى أو إلى التردّد على العاهرات 117.

    ويبيّن الدكتور محمّد سعيد الحديدي كيف أن ختان الإناث يؤثّر على تصرّفات النساء في المجتمع المصري وظاهرة الزار. يقول هذا المؤلّف : "ما أثر ذلك الحرمان [من اللذّة الناتج عن ختان الإناث] في نفسيّة المرأة ؟ [...] إن المرأة التي فقدت أغلب حساسيّتها الجنسيّة والتي يصعب إمتاعها وقلّما يمكن إمتاعها لطول المدّة التي تحتاجها إلى ذلك، تصبح في ثورة نفسيّة كامنة وتزداد حدّة في طبعها وعصبيّة في مزاجها. [...] ومسكينة تلك المرأة البائسة التي تعبّر عن هذه الثورة بما نعرفه يا حضرات السادة، ونشاهده في بعض الأسر المصريّة، ألا وهو الزار. فالزار يا حضرات السادة نتيجة مباشرة لختان المرأة. وإلاّ فأجيبوني يا حضرات السادة، لما لم يعرف الزار إلاّ في بلادنا ؟ ألا تسكن العفاريت إلاّ في مصر جنّة الله في أرضه ؟ ما علمت من إمرأة عليها زار إلاّ وكانت مصريّة أو متمصّرة ومختتنة. حري بكم وبنا أن نوجد علاجاً لهذا النقص الإجتماعي في بيئتنا. وقد عرفتم السبب فعليكم بالعلاج" 118.

    وكما طرح موضوع أثر ختان الإناث على العلاقة الجنسيّة، طرح كذلك موضوع مط البظر والشفرين كما تمارسه بعض القبائل. وقد ذكر كاتب إفريقي أن هذه العادة لا تترك أي أثر نفسي أو إجتماعي سلبي، لا بل إنها تساعد على زيادة اللذّة عند كل من الرجل والمرأة وتحمي المرأة من البرود الجنسي. كما أنها تجنّب المرأة خطر تحويلها إلى آلة إنجاب فقط. وعليه فإن هذه العادة هي عامل إتّزان نفسي وجنسي للمرأة وعامل تماسك بين الزوجين 119. لكن ممّا لا شك فيه هو أن هذه العادة إذا فرضت في الصغر تعتبر تدخّلاً في الحرّية الشخصيّة وخرقاً للحق في تقرير المصير الجنسي.

    هوامش :

    1- Philon : De specialibus legibus, I-II, p. 17
    2- Philon : Questiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 107
    3- الملحق 25 في آخر الكتاب.
    4- Barth (editor) : Berit Mila, p. 124-125
    5- إبن العسّال، جزء 2، ص 418-421.
    6- Thomas d’Aquin, vol. 4, p. 524 et 525
    7- أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.
    8- المنّاوي : فيض القدير، جزء 3، ص 503.
    9- Sorrells, p. 336
    10- Fleiss : Where is my foreskin ?, p. 41; Cold; Taylor : The prepuce, p.1 and 37-38; Laumann, p. 1052-1057
    11- Ritter, p. 12-4, 15-1; Romberg : Circumcision, p. 173; Warren : Norm UK, p. 89; Zwang : Functional and erotic consequences, p. 71; O’Hara; O’Hara, p. 79-84; Hammond : A preliminary poll, p. 87
    12- Ritter, p. 15-1
    13- Hammond : A preliminary poll, p. 85, 88; Ritter, p. 17-1
    14- Romberg : Circumcision, p. 171
    15- Ritter, p. 27-1
    16- Hammond : A preliminary poll, p. 86, 88
    17- Money; Davison, p. 291
    18- Goldman : Circumcision the hidden trauma, p. 39-40; Boyd, p. 111-112; Romberg : Circumcision, p. 172-173
    19- Zoossmann-Diskin; Blustein : p. 344; أنظر أيضاً Hecht : The cutting edge, p. 14-15
    20- رمضان، ص 67.
    21- مقدّمة كتاب إبن عساكر : تبيين الإمتنان، ص 12.
    22- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 115-116
    23- Vatsyayana : Kamasutra, p. 37
    24- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 116-118; Ritter, p. 30-1
    25- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 118-121
    26- Zwang : Functional and erotic consequences, p. 74
    27- O’Hara; O’Hara, p. 79-84
    28- [email protected]essage from [email protected], 16. June 1999, sent to
    29- أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل السابع، الرقم 5).
    30- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 59-60
    31- Romberg : Circumcision, p. 174-175
    32- Kenyatta, p. 127
    33- أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثاني، الرقم 2)، حرف ط).
    34- الجاحظ : كتاب الحيوان، جزء 7، ص 27-29.
    35- أنظر مثلاً النزوي : المصنّف، مجلّد 1، ص 40.
    36- إبن تيمية : فقه الطهارة، ص 69.
    37- إبن تيمية : فتاوى النساء، ص 17.
    38- أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب. ويعيد علينا مؤلّف حديث هذا الكلام. الجمل، ص 15.
    39- الباجي : كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.
    40- السعداوي : المرأة والجنس، ص 29-30.
    41- مهران، ص 63.
    42- الحديدي، ص 68. أنظر أيضاً عمّار، ص 51-52.
    43- Zwang : Functional and erotic consequences, p. 70-71
    44- Zwang : Les mutilations sexuelles féminines, p. 25
    45- أنظر الملحق 7 في آخر الكتاب.
    46- السكّري ص 36. أنظر أيضاً السيّد، مقدّمة كتاب إبن عساكر : تبيين الإمتنان، ص 31؛ السيّد : حكم ختان النساء، ص 34-35.
    47- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 186-187
    48- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 177-178
    49- Rathmann : Female circumcision, p. 115-120
    50- Wollman : Female Circumcision
    51- Burt : Surgery of Love
    52- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 188-190; Hodges : A short history, p. 32
    53- Kellison : Circumcision for women
    54- Kellison : 100$ Surgery
    55- Walden : Letter to the Editor
    56- Isenberg; Elting : A guide to sexual surgery أنظر للتفاصيل Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 183-184
    57- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 183-185
    58- www.circlist.org/canatomyfemale.html
    59-
    60- Kamara
    61- Assaad : Female circumcision in Egypt, p. 24; أنظر أيضاً Giorgis, p. 31-33
    62- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 80-81
    63- El-Dareer, p. 48
    64- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 83-87
    65- Couchard, p. 147-148
    66- Kamara
    67- Couchard, p. 145
    68- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 91-93
    69- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 23, 87-90. أنظر كذلك في الصومال Gallo; Viviani : Il ruolo dell’olfatto
    70- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 8, 78, 119-121
    71- Female genital mutilation : an overview, p. 35
    72- الغوّابي، ص 55.
    73- النفزاوي، ص 167.
    74- Sanderson, p. 52
    75- Rapport du séminaire régional sur les pratiques traditionnelles, Addis Abeba, 1987, p. 101
    76- الممارسات التقليديّة، ص 23.
    77- Koso-Thomas : The circumcision, p. 8-9, 11
    78- Ombolo, p. 101-102
    79- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 58-59
    80- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 60, 98
    81- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 104-105, 125
    82- Goldman : Circumcision the hidden trauma, p. 142
    83- أنظر الملحق 24 في آخر الكتاب.
    84- أمين : قاموس العادات، ص 188.
    85- الحديدي، ص 69-70.
    86- عمّار، ص 52. أنظر أيضاً مهران، ص 63؛ الفنجري، ص 16 و21-22؛ El-Masry, p. 56-59
    87- El-Masry, p. 31
    88- الغوّابي، ص 56-57.
    89- السيّد : حكم ختان النساء، ص 48 و68 و70.
    90- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 33
    91- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 195-196
    92- Romberg : Circumcision, p. 175-177
    93- Goldman : Circumcision the hidden trauma, p. 144
    94- Goldman : Circumcision the hidden trauma, p. 39
    95- Cold; Taylor : The prepuce, p. 1; Laumann, p. 1052-1057; O’Hara; O’Hara, p. 79-84
    96- Favazza, p. 219
    97- Bigelow, p. 52-53
    98- Boyd, p. 90
    99- Boyd, p. 141
    100- Wallerstein : Circumcision : an American health fallacy, p. 190
    101- Abd-el-Salam : Female sexuality, p. 75
    102- المنتخب من السُنّة، مجلّد 3، ص 97، هامش 1.
    103- رمضان، ص 53.
    104- Goldman : Circumcision the hidden trauma, p. 144-148
    105- O’Hara; O’Hara, p. 82
    106- Immerman; Mackey : A proposed relationship, p. 369-373
    107- Immerman; Mackey : A proposed relationship, p. 371-372
    108- Immerman; Mackey : A proposed relationship, p. 374; see also Immerman; Mackey : A biocultural analysis, p. 265-275
    109- Aldeeb Abu-Sahlieh : To mutilate, p. 593
    110- الغوّابي، ص 56-57.
    111- مهران، ص 63.
    112- عبد السلام : التشويه، ص 17-18؛ عبد السلام ؛ حلمي : مفاهيم جديدة، ص 79. أنظر أيضاً رزق، ص 34؛ الفنجري، ص 15-16 و23-24.
    113- Koso-Thomas : Aperçu, p. 120
    114- Koso-Thomas : The circumcision, p. 11
    115- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 95-96, 101
    116- Rapport du séminaire régional sur les pratiques traditionnelles, Addis Abeba, 1987, p. 108; Female genital mutilation : an overview, p. 8
    117- Lightfoot-Klein : Prisoners, p. 7
    118- الحديدي، ص 68-69.
    119- Ombolo, p. 153
    كلا كلا عنصرية، كلا كلا احزاب مرتزقة بالدين كلا كلا طائفية

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني